معتز بالله عبد الفتاح
أنزعج كثيراً من محاولات تصوير انفعال شباب «الفيس بوك وتويتر» والمدونات ضد معظم الأشخاص الموجودين على الساحة، بمن فيهم كاتب هذه السطور، على أنه من سلبيات مصر ما بعد الثورة. أنا أرى العكس، مهما خرجت منهم ألفاظ حادة، قطعاً لا أُقرها، لكن للكثير من آرائهم مغزى ودلالة لا بد أن تُستوعب. والانشغال طويلاً بالألفاظ نفسها، التى أرفض البذىء منها قطعاً، سيجعلنا غير قادرين على استيعاب الأفكار. إن مسألة التدرُّب على حسن اختيار الألفاظ وكيف «تكسب قضية، دون أن تخسر معارضيك» مهارة ليست سهلة، وما اكتسبها، سيسرو، الفيلسوف الرومانى، إلا فى أواخر حياته كما قال هو.
شباب مصر كنيل مصر، يأتى هادراً قوياً مندفعاً، إن تعاملنا معه بمنطق السدود دمّرناه وأعقناه، ولكن علينا أن نتعامل معه بمنطق القناطر التى تحترم قوة اندفاعه كى تستفيد منه بتوزيع طاقته إلى حيث نستفيد كوطن، ويستفيد كجيل.
أرفض كذلك تصوير الجيل الجديد بأوصاف حادة وكأنهم بعيدون عن نوعية التربية التى تلقوها. ألفاظهم الحادة (والبذيئة أحياناً) هى جزء من ثقافة عامة فى المجتمع أنشأها الكبار وتبنّاها الصغار وسيورثونها للقادمين بعدهم وسيستخدمها اللاحقون عليهم ضدهم وسيكون سباقاً محموماً فى الانفعال، وفى الإساءة، إن لم ننجح فى اختراق هذه السلسلة من التنشئة لنعيد لأنفسنا ولشبابنا الحد الأدنى من عفة اللسان واحترام الرأى الآخر.
إذن ما العمل؟
فى تقديرى أن الأجيال الجديدة، بحاجة لأن تُستوعَب قبل أن تُنتقَد، أن تُفهَم قبل أن تُهاجَم. حماستهم هى حماسة الشباب فى كل زمان ومكان.
يحضرنى فى هذا المقام موقف حلّله الأستاذ عباس العقاد بين محمد رسول الله وعمر بن الخطاب كان فيه الأسود بن سريع ينشد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، المديح من الشعر. وأثناء إلقائه الأماديح، دخل رجل، فاستوقفه الرسول قائلاً: بَيِّنْ، بَيِّنْ. فسأل ابن سريع: من هذا الذى يطلب منى الرسول التوقف عن الكلام لحضوره، فقَالَ: «إنه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، هَذَا رَجُلٌ لَا يُحِبُّ الْبَاطِلَ».
يسأل «العقاد»: وهل يقبل «محمد» الباطل الذى يأباه «عمر»؟
يرد «العقاد»: إن الفارق بين «محمد وعمر»، هو الفارق بين «الإنسان» العظيم و«الرجل» العظيم.
إن «عمر» يعرف دروباً من الباطل، ويعرف درباً واحداً من دروب الإنكار وهو السيف، أى الرفض القاطع لكل أشكال الباطل مهما صغر أو كبر.
أما «محمد»، الإنسان العظيم، فهو أكثر استيعاباً لما فى النفس الإنسانية من عوج وتعريج، من صحة ومرض، من قوة وضعف، من صلاح وفساد، فيعرف دروباً من الباطل ويعرف دروباً من الإنكار. وقد يصبر الإنسان العظيم على ما يأباه الرجل العظيم.
فلنتخلق بأخلاق «الإنسان» العظيم فى هذه المرحلة التى تتطلب منا صبراً وتؤدة والبحث عن المشترك واستيعاب تناقضات المرحلة، لله، وللوطن، ولشباب مصر.
يا شباب مصر، قلت منذ فبراير 2011، إن الثورات والانتفاضات الشعبية يمكن أن تؤدى إلى بديل من ثلاثة: استبدال أشخاص بأشخاص (اليمن نموذجاً)، استبدال نظام بنظام (تونس نموذجاً)، استبدال دولة بدولة ومجتمع بمجتمع من خلال حرب أهلية (سوريا نموذجاً).
قطعاً أنتم لا تريدونها سوريا، وبعضكم يظن أن مصر تسير على خُطى اليمن باستبدال أشخاص بأشخاص، لكن ما أظنه أكثر واقعية أننا نسعى لتغيير نظام بنظام. ولا يكون هذا بعنف واحتجاج ومظاهرات ولكن بمشاركة فاعلة فى العمليتين السياسية والاقتصادية.
الكرة فى ملعبكم ومصر بحاجة إليكم. ولا تكونوا أقل عطاءً ولا أقل إنجازاً من أجدادكم الذين عبروا بمصر فى مثل هذه الأيام من الهزيمة إلى النصر، فاجتهدوا كى نعبر معاً من الضعف إلى القوة.