عاجل إلى الشباب متى يصل اختراع الديمقراطية إلينا

عاجل إلى الشباب: متى يصل اختراع الديمقراطية إلينا؟

عاجل إلى الشباب: متى يصل اختراع الديمقراطية إلينا؟

 عمان اليوم -

عاجل إلى الشباب متى يصل اختراع الديمقراطية إلينا

معتز بالله عبد الفتاح

مقولة أرسطو الشهيرة: «إن علم السياسة هو علم السيادة وهو علم السعادة»، وكان يقصد بذلك أن علم الحكم وإدارة شئون الدولة هو العلم السيد على كل العلوم الأخرى وهو المفضى إلى سعادة البشر الجماعية إن كانت شئون الحكم فى أيدٍ رشيدة، فلو تخيلنا مجتمعاً فيه مئات العباقرة والمبدعين لكن يحكمه هتلر أو موسولينى، إذن ما الفائدة؟

إن علم السياسة هو علم التوفيق (وليس المفاضلة أو الاختيار بالضرورة) بين الضرورات المتعارضة، فالاستقرار ضرورة، ولكن الديمقراطية ضرورة أيضاً، والمهارة كل المهارة أن توفق بينهما دون التضحية بأى منهما، وقد تراضى الفلاسفة ودارسو العلوم السياسية على عدة حقائق من بينها أن هناك مجتمعات كانت أكثر حظاً من مجتمعات أخرى فى إدراك أهمية الديمقراطية كاختراع (أى ابتكار من عدم) أو اكتشاف (أى كفكرة إنسانية موجودة تاريخياً لكنها احتاجت للاجتهاد البشرى كى يتم التنظير لها وبناء المؤسسات اللازمة لترجمتها إلى واقع معيش).

لو تتبعنا تاريخ الإنجازات والاختراعات الإنسانية سواء بالملاحظة المباشرة أو باستقراء ما تكتبه دوائر المعارف، فسنجد أن البشرية عرفت ما لا يقل عن 16 مليون اختراع واكتشاف بشرى على مدار خمسة آلاف سنة هى عمر الحضارة منذ أن عرف الإنسان الكتابة وفقاً لموسوعة المعارف البريطانية؛ لكننا لو ربطنا بين الاختراعات وقيمتها المضافة، أى قدرتها على أن تؤثر فى عدد كبير من البشر، فإننا يمكن أن نحصر أعظمها وأبلغها تأثيراً فى سبعة اختراعات كبرى.

فهناك أولاً الكهرباء بما سمحت به من إنجازين مهمين وهما: المزيد من سيطرة الإنسان على الطبيعة، وثانياً مضاعفة مساحة الزمن المتاحة للبشر، فلولا الكهرباء لنامت المدن كما القرى فى الماضى بعد حلول الظلام مباشرة.

وثانى هذه الاختراعات العظمى هى دورات المياه فى البيوت التى جعلت الانتقال من البداوة والريف إلى المدينة ممكناً.

وثالث الاختراعات الكبرى هى الطباعة التى نجحت فى أن تضاعف سرعة انتقال المعرفة؛ فلولا الطباعة ما كنا اكتشفنا أو عرفنا الاختراعات الأخرى أو ربما كنا عرفناها فى أزمنة لاحقة.

ورابع الاختراعات الكبرى هى الرياضيات بفروعها المختلفة. فالرياضيات هى أساس العلم الحديث بل هى الفارقة فى نقل المعارف من سيطرة الفلسفة والجدل النظرى والمعيارى، أى الذى يؤكد ما ينبغى أن يكون، والمماحكات اللفظية التى تنطوى على رؤى ذاتية وبين العلوم سواء الطبيعية أو الاجتماعية.

وخامس هذه الاختراعات الكبرى هو النقود التى سهلت التفاعلات الإنسانية على نحو ما نستشعر جميعاً، فلولا النقود، كوسيط للتبادل وكمخزن للقيمة، ما أمكننا الحديث عن تجارة وتبادل خدمات ومنافع بين البشر.

وسادس الاختراعات الكبرى هى الجامعات وما يرتبط بها من مراكز البحث العلمى، فلولا الجامعات ومراكز البحث العلمى ما أمكن أن تتضاعف المعرفة الإنسانية مرة كل ثلاثين سنة، على نحو ما نعيشه الآن، وهو ما يبدو منطقياً مع حقيقة أن 90 بالمائة من العلماء الذين عرفتهم الإنسانية لا يزالون أحياء، فكل الأسماء العظيمة من منتجى المعرفة فى العالم أجمع منذ سقراط وأفلاطون وحتى مصطفى مشرفة وجمال حمدان وكل من تركوا هذه الدنيا من علماء لا يشكلون أكثر من 10 بالمائة؛ لأن العلم والبحث والاختراع والابتكار كلها أصبحت مهنة مستقلة بذاتها لا يمارسها العالم أو المخترع فى وقت فراغه.

وسابع هذه الاختراعات الكبرى وأقدمها وأصعبها هى الديمقراطية، فلولاها ما استفدنا من كل ما سبق وغيرها من اختراعات وإنما ظلت جميعها فى يد الحاكم الديكتاتور.

نعم كان من الوارد جداً أن توجد عشرات الصحف دون ديمقراطية، ولكن كلها تسبح بحمد الحاكم وتشكر فضله على ما أتاحه للبشر من نعمة الحياة. نعم كانت ستوجد جامعات ونقود واختراعات كهربائية، بدون الديمقراطية، لكن كان سيغيب أمن الناس على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وحقهم فى الاختيار، فالديمقراطية بحق اختراع عبقرى يقوم على قهر القهر، أى وضع قيود قهرية على الحاكم المستبد. إنها فى أبسط تعريفاتها: ضمان تعدد مراكز صنع القرار فى المجتمع، فلا يوجد من يأمر وعلى الباقى السمع والطاعة، كما أنها تضمن أن الحكومة فى حالة عمل دائم من أجل رفع المعاناة عن المواطنين، ومن مقولات أمارتيا سن، الاقتصادى الشهير، الخالدة: «إن المجاعات، رغم أنها فى الأصل ظواهر طبيعية، تظهر فى باكستان غير الديمقراطية ولا تظهر فى الهند الديمقراطية»؛ لأن الحكومة التى تعلم أنها ستتحول إلى «محكوم» عليها فى يوم الانتخابات إما بالاستمرار، إذا فازت فى الانتخابات، أو بالتحول إلى المعارضة، إذا خسرت، لا يمكن أن تتهاون فى التزامها تجاه فئة مهمة من فئات شعبها.

ضع كل الاختراعات والابتكارات السابقة فى خلاط الحضارة، إن جاز التعبير، لتكتشف لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا. لقد شهدت مجتمعاتنا ملامح التقدم المظهرى والتخلف الهيكلى كما يقول سمير أمين، فلدينا إنفاق شديد على الدروس الخصوصية وهذا ليس إنفاقاً على العلم ومن أجل العلم وإنما على الشهادات ومن أجل الشهادات كما يقول أحمد زويل، ولدينا اهتمام بتسجيل المواقف أكثر من اهتمامنا بإيجاد حلول عملية للمشكلات كما يقول فؤاد زكريا، وكان لدينا تحديث مادى دون ديمقراطية، وعلمنة بلا احترام أصيل لقيمة العلم، وتعليم بلا تفكير نقدى أو بناء مهارات، وانتقال إلى المدينة بلا تمدن حقيقى، وتحول للرأسمالية بلا احترام لأخلاقياتها كما يقول على مزروعى.

إن المجتمع الحديث هو مجتمع يعرف قيمة هذه الاختراعات الكبرى جميعها مجتمعة متفاعلة ويكون طلبه عليها غير مرن، كما يقول الاقتصاديون، مثل طلب مدمن السجائر على السجائر، فمهما ارتفعت تكلفة الحصول على التعليم أو على الحقوق السياسية، فإن العارف بقيمتها مستعد للإنفاق ببذخ من وقته لو دخل السجن ومن عمره لو مات مناضلاً؛ فهى بالنسبة له أقرب إلى الماء والهواء من حيث الأهمية، ألم يفعلها نيلسون مانديلا؟

أما مجتمعات ما قبل الحداثة، أى المجتمعات المتخلفة بقول أدق، فإنها قد تمتلك أفضل المطابع ولكنها لا تمتلك حرية الفكر، وقد يطرح عليها حزبها الحاكم أفكاراً تحت شعار الإصلاح السياسى ولكنها فى النهاية أقرب إلى التغير التكيفى منها إلى التطوير البنيوى، وقد يكون فيها حرية رأى متاحة، لكنها تبقى بلا فاعلية، ويبقى المواطن مفعولاً به ومفعولاً لأجله لم تصبه من الحداثة واختراعاتها إلا المظاهر الخادعة سواء فى شكل تليفون محمول أو دش على أسطح المنازل. لكن دهاء التاريخ والنتائج غير المقصودة لمظاهر الحداثة هذه يمكن أن تنتج على المدى الطويل إدراكاً لأهمية ومحورية «خلطة» الاختراعات التى أنتجتها وحاجتنا لأن نمتلك مثلها. لن يتقدم أى مجتمع إلا إذا أدرك أن أهمية الديمقراطية الحقيقية والجامعة المتميزة والبحث العلمى الجاد لا تقل عن أهمية الكهرباء والمياه والمجارى، إن طابور الخبز مهم، وطابور المواصلات مهم، وطابور الخزينة مهم، لكن طابور الانتخابات هو الطابور الأهم لأنه يمكن أن يجعلك تتجنب كل الطوابير الأخرى باختيار حكومة تضعك كمواطن فى قمة أولوياتها. النهضة ممكنة حين يتولى الحكم قيادات تعرف أهمية هذه الخلطة وأن تتصرف على هذا الأساس.

وما كانت الثورة وما لحق بها إلا محاولة للقفز من مجتمع غير حديث لا يعترف بقيمة هذه الاختراعات مجتمعة إلى مجتمع أكثر حداثة وأقل فساداً واستبداداً، وما الانتخابات إلا أداة المجتمع لمعاقبة من يفشل فى تحقيق هذه الأهداف.. أو هذا ما ينبغى أن يكون.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاجل إلى الشباب متى يصل اختراع الديمقراطية إلينا عاجل إلى الشباب متى يصل اختراع الديمقراطية إلينا



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab