معتز بالله عبد الفتاح
هل تعلم أسرة أنجبت طفلاً فظلت تتجادل فى اسمه وتختلف بشأن المدرسة التى سيذهب إليها، وحين يكبر سيذهب إلى أى كلية، واستمر جدالهم لبضعة أيام، لدرجة أنهم نسوا إطعامه وتطعيمه؟ فى النهاية أحسنوا اختيار الاسم وخططوا له طريقاً عبقرياً لمستقبل مشرق، لكن الطفل مات.
الطفل مات، لأن «الهتيفة» يقررون مصيره، و«الهتيفة» يحكمون البلد. قديماً قالوا: «لو وقع بيت أبوك، الحق خُد لك منه قالب». نحن تفوقنا على هؤلاء وأصبحنا نحن «نهدم بيت أبينا بأيدينا بحثاً عن القالب».
ربما يكون هذا التشبيه ليس دقيقاً، ولكنه يحمل تخوفى من أننا نتجادل كثيراً لإثبات الذات وتسجيل المواقف وإحراج الطرف الآخر والثورة ستموت وستتحول فى كتب التاريخ إلى هوجة ساذجة نجحت فى تدمير القائم وفشلت فى بناء البديل، لأن مجموعة من الساسة الهواة فشلوا فى أن ينكروا الذات الحزبية والأيديولوجية لصالح المصلحة الوطنية بدليل أنهم لا يدركون، أو يتجاهلون، المعاناة التى سنواجهها جميعاً بعد عدة أشهر بسبب التحديات الاقتصادية. وهنا أنا أشدد مرة أخرى على المخاطر الاقتصادية التى تواجهنا؛ ولأننى أعلم أن الكثيرين منا ليسوا متخصصين فى الاقتصاد فسأحاول تبسيط المفاهيم وأنفذ منها إلى رسائل محددة للمواطن المصرى الذى (عليه أن) يسأل ماذا أفعل كى أساعد مصر اقتصادياً؟ ثورتنا السياسية لا بد أن تكون مصحوبة بثورة فى قيمنا ومفاهيمنا الاقتصادية، وإلا سنتحول إلى بنجلاديش المنطقة: انتخابات وحكومات تحظى بثقة البرلمان، ومجتمع يعيش عالة على المساعدات الأجنبية، والكتب الدراسية تتحدث عن ماضى مصر التليد وكيف أن أجدادنا أول من اخترع الملابس، ولكننا نقف عرايا، وأول من اهتم بقيمة الوقت، لكن نحن نتعامل مع الوقت وكأنه مورد لا قيمة له، وأن أجدادنا أول من التزم القيم الأخلاقية وسطرها فى المعابد والأهرامات، ولكننا مجتمع غير مزود بهذه القيم.
ولنعُد للاقتصاد؛ فهدف النشاط الاقتصادى هو زيادة ثلاثة متغيرات وخفض ثلاثة متغيرات: نحن نريد زيادة الاستثمار والنمو والتشغيل، ونريد تقليل الإعالة و التضخم و الديون . إذن نحن نريد أن ننتج كل سنة أكثر مما نستهلك وهذا سيؤدى إلى زيادة نمو اقتصادنا من سنة إلى أخرى بمعدل يفوق معدل الزيادة السكانية. والمشكلة فى الزيادة السكانية ليست المواليد الجدد فى حد ذاتهم وإنما المشكلة هى «معدل الإعالة» أى نسبة من يعملون إلى نسبة من لا يعملون. مثلا أنا متزوج وعندى طفلان فقط ودخلى يزيد بمعدل يسمح لى أن أحيا حياة كريمة. ولكن جارى عنده خمسة أطفال وكل سنة عنده طفل جديد بما يعنى أنه أصبح مسئولاً عن إطعام خمسة أشخاص أو أكثر، فى حين أننى مسئول عن إطعام طفلين فقط. هذه النسبة فى مصر نحو 3 مُعالين فى مواجهة كل شخص يعمل، وهى من أعلى النسب فى العالم وهى فى زيادة. السؤال: هل من الممكن للمصريين الذين لديهم ثلاثة أطفال أو أكثر ومراعاة للظروف الاقتصادية الصعبة حالياً أن يخططوا لتأجيل إنجاب أطفال آخرين لفترة سنة واحدة فقط، بما يتيح لنا ولو جزئياً تخفيض نسبة الإعالة؟ هذا ما أتمناه؛ وكفى بالمرء إثماً أن يُضيّع من يعول، كما جاء فى الحديث الشريف.
البيئة السياسية المستقرة شرط ضرورى لمواجهة التحديات الاقتصادية، والجيل الحالى من السياسيين أغلبهم هواة، هواهم البرامج المسائية ليثبتوا فيها أنهم «بتوع نضال آخر زمن فى الاستوديوهات» والبلد بتغرق، وهم يسجلون المواقف على بعضهم البعض. لقد تقاربت الرؤوس فتناطحت والضحية «طفل يموت أمامنا بحثاً عن شربة ماء، ونحن نتجادل بشأن أفضل جامعة ليلتحق بها».