بقلم : معتز بالله عبد الفتاح
كتب الأستاذ محمد نعيم مقالاً هو مقدمة لورقة نقدية بعنوان «أشباح يناير التى تنتظر النقد الذاتى والمراجعة»،
أعجبنى فيها أن تفتح ملفاً لا ينبغى أن نتجاهله. قال فى جزء من مقاله على موقع «مدى مصر» ما يلى:
قامت ثورة يناير لتطرح أسئلة عميقة على صدقية ما رآه البعض تصورات وتمثلات أيديولوجية يحملونها على أكتافهم، فوجدنا أصحاب تصورات ليبرالية يسحقون قيم حرية الفرد والسوق والاختيار، وقوميين عرباً ينحازون لعملاء الإمبريالية ولأصدقاء إسرائيل، ويؤيدون بعنف محطمى الوجود والأقطار العربية من بابه، ووجدنا ماركسيين يعطلون أسئلة العدالة الاجتماعية والحرية لصالح الأمن والاستقرار وبقاء دولة يتصورونها مدنية بينما هى دولة دينية معاصرة، ووجدنا بالطبع إسلاميين يتماهون بانتهازية مع كل معنى وفكرة، بغية الوصول إلى سلطة لا يعرفون تحديداً ماذا يريدون منها وفقاً لمازورة صبرهم الإسلامى الطويل، فى بلد يظن غالبيتهم أنه علمانى فإذا به يتهمهم بكونهم خوارج هذا العصر وفقاً للمازورة الإسلامية نفسها. لقد طرحت يناير، أو بمعنى أصح كشفت وأطاحت بأسئلة الحلى الأيديولوجية التى تعطى لأصحابها صورة وميزة المثقفين وأصحاب الحيثيات الأدبية فى بلد جهول، انحطت أيديولوجيته الوطنية المهيمنة لمستوى الترهات والبله اللغوى، والأمر فى رأيى يرجع ليناير 2011، لا ليوليو 2013.
يناير كانت السؤال الذى أُخذ بخفة مقابل ما طرحه من أسئلة حاسمة وعاجلة وعميقة، ويوليو كانت العقاب على عدم الإجابة.
نعم، كانت الفترة قصيرة. لكن المسارات التى أخذها الجميع، وفى مقدمتهم الرجعية الإسلامية، كانت كفيلة بالرسو على شاطئ العقاب هذا.
هناك إجابة أخرى وأكثر عملية، وإن سكنتها معانى الذلة والهزيمة المضاعفة، وهى أن عملية المراجعة، إن لم تأتِ بإرادة أصحاب المشروع السياسى المهزوم لتجاوز عثراته نظراً لتضعضعه وانتفاء معناه، فهى قد تأتى كنتيجة لقيام السلطة السياسية والأمنية بفتح نافذة ضيقة للحوار قد تؤدى إلى حلحلة عقلانية للوضع، لتخفيف القبضة وتحسين شروط القمع، وإن عملية المراجعة هى جزء من استحقاقات هذا القرار وشرط له. بمعنى آخر فإن الكرة فى ملعب السلطة، وليست فى ملعب المعارضة المحطمة، وهو أمر لا أعتقد أنه متوافر حالياً ولا أعتقد أنه سيتوافر بجدية فى المستقبل القريب، لأن سلطة الثورة المضادة مسكونة بالانتقام من كل أشباح يناير 2011، مهما كانت الأشباح ضعيفة وتائهة، حتى لو أدى ذلك إلى انهيار مصر بالكامل.
إن يناير نفسها بحاجة لمراجعة.
وذلك لكون يناير بتداعياتها أصبحت من وجهة نظرى هى المرجع التأسيسى للسياسة والاجتماع فى مصر، لذا فالأمر يتطلب التدقيق والكشف فى جوهر انحيازات يناير نفسها وحدودها على المستويات الخطابية والنضالية، وذلك للوقوف على الآثار المدمرة لها على مستويات الوعى السابقة عليها فى الواقع والاجتماع المصرى، من حيث كونها قوة تدمير فتية هائلة أطاحت بقديم من دون أن تحل محله أو تملأ فراغه، وطرحت فى ظنى فيوضاً من الأسئلة، عن عمد أو غير عمد، بشكل غائى أو مضطرة، تحت وطأة تسارع عجلة الانتفاض، على سبيل المثال لا الحصر، أسئلة كعلاقة الحرية بالأمن وتناقضاتها، وحدود تصورات الحرية كجوهر وممارسة ومن الجدير بها، أو أسئلة الملكية وعلاقاتها وتوزيع الثورة، تلك التى قُتلت بالصمت أو بالضجيج، أو أسئلة الفجوات الجهوية وآثارها على الاجتماع العام، أو أسئلة عما يريد هذا المجتمع من نسائه غير ملاحقتهن بالإدانة، أو أسئلة الفساد وحدود محاربته، وبالطبع أسئلة مواقع الدين والجيش الملتبسة داخل الدولة، وفى أذهان الناس أيضاً. كل ما سبق كان بعضاً من أسئلة طرحتها يناير بإلحاح شديد الوطأة، يختلف عن أى طرح سابق لها فى زمن آخر، وكان طرحاً يتطلب إجابة حاسمة كمرشد ودليل عمل، ويتطلب أيضاً، وبنفس القدر، تأصيلاً فلسفياً يتجاوز البرامجية السياسية.
وعليه، فظنى أنه بقدر احتياجنا للمراجعة الفكرية وللنقد الذاتى لمساراتنا فى الثورة، نحتاج أيضاً لمراجعة ما طرحته يناير نفسها موضوعياً من أسئلة وحدود تلك الأسئلة، وأى الإجابات طُرحت رداً عليها إن وجدت، ثم تبيان دور الفاعلين فى بلورة أو طمس أو محاربة ما طُرح من أسئلة، أو كيفية تعاطيهم معها، مع نقد إجاباتهم حال وجود إجابات من الأصل.