بقلم : معتز بالله عبد الفتاح
لم أشاهد حديث شيخ الأزهر الأسبوعى على الفضائية المصرية الجمعة الماضى، ولكن الزملاء فى «المصرى اليوم» نشروا ملخصه. وفيما يتعلق بالأزهر، وبشيخه، فأنا لست من مدرسة إطلاق الاتهامات ولا الحكم بالمبالغات حتى لو كانت مستندة إلى وقائع هنا أو هناك.
بين الأزهر يقيناً من لا يستحق أن يكون أزهرياً، ولكن هذا لا يعنى ولا يستدعى الهجوم على الأزهر أو شيخه.
يقول شيخ الأزهر إن مصطلح الأقليات لا يعبر عن روح الإسلام ولا عن فلسفة الإسلام، ومصطلح المواطنة هو التعبير الأنسب والعاصم الأكبر والوحيد لاستقرار المجتمعات، لأن المواطنة معناها المساواة فى الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعاً، بخلاف مصطلح الأقليات الذى يحمل انطباعات كلها سلبية تبعث على الشعور بالإقصاء وتضع حواجز نفسية تتداعى وتتراكم فى نفس المواطن، الذى يطلق عليه أنه مواطن من الأقليات، وقد قامت دولة الإسلام فى المدينة المنورة -وكان يرأسها النبى -صلى الله عليه وسلم- على مبدأ المواطنة، وكان فيها يهود ومشركون بجانب أكثرية مسلمة.
وأضاف شيخ الأزهر أن النبى -صلى الله عليه وسلم- حين ذهب إلى المدينة وتكونت الدولة، وضع دستور المدينة أو وثيقة المدينة وهو أول دستور نفاخر به العالم كله بل والتاريخ، ونص فيه على أن سكان المدينة أمة واحدة، كما جاء فيه: «وَإِنّ يَهُودَ بَنِى عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ..»، وهذه مواطنة كاملة فى الحقوق والواجبات تقوم على أساس الأرض وعلى أساس الدولة والبقعة التى يعيش عليها الناس، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين.
وأكد شيخ الأزهر أننا لسنا مسئولين عن كلام أى شخص يكون أزهرياً أو يلبس زى الأزهر خارج دائرة مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء، إذ لا يصح أن يكون الأزهر سلعة تعرض كى تجذب مشاهدين أو إعلانات، وإذا كان يحدث هذا فهو شىء محزن ومؤلم، ويدل على أنه لا يوجد هناك أى انضباط لا على مستوى الكلمة ولا على مستوى المسئولية عن هموم هذا الوطن، مشدداً على أن مصطلح أهل الذمة لم يعد مستعملاً، وأن الأزهر لا يقوله ولا يصف به شركاء الوطن بحال من الأحوال. وأضاف: إن مصطلح أهل الذمة الآن مصطلح غير مستساغ مع أنه كان فى ذلك الوقت مفخرة للدولة الإسلامية؛ لأنها أول حضارة تحفظ حقوق غير المسلمين، وتؤكد المساواة التامة بين المواطنين من خلال الصيغة التعاقدية بين غير المسلمين وبين الدولة الإسلامية، موضحاً أنه لا يجب ألا يُنتزع هذا المصطلح من محيطه التاريخى ويُحاكم بانطباعات الناس، ولذلك فإن الكارهين للتراث بسبب أو بآخر، الذين يأتون بفتوى قيلت فى وقت عصيب، ليقولوا هذا هو الإسلام وهذا هو فقه الإسلام وهذا هو التراث الإسلامى، وكذلك المتشددون الذين يستوردون حكماً كان يواجه التتار أو الصليبيين فى بلاد الإسلام ليطبقوه الآن على غير المسلمين، كلا الفريقين كاذب؛ لأن الإسلام غير ذلك تماماً، بدليل أن الفترة التى ساد فيها مصطلح أهل الذمة، قال عنها الغربيون: إن غير المسلمين نعموا بحقوق وبمساواة لم ينعموا بها مع إخوتهم فى دينهم فى الحضارات الغربية التى كانت تفرق بين أهل البلد وبين الغريب عنها، وبين مَن يَدين بدِين الدولة وبين مَن يَدين بغيره، بل إما أن يدخل فى دين الدولة وإما أن يهاجر وإما أن يقتل.
وأشار شيخ الأزهر إلى أن الحضارة الإسلامية تعرضت لحروب صليبية وتتارية ولقهر وظلم وقتل وسفك دماء وتشريد، وأن المسلمين عاشوا فترات استعمارية قاسية جداً، وشىء طبيعى أن تصدر فى مثل هذه الفترات فتاوى تتعلق بالغير من الأمم التى هجمت على المسلمين وأذاقتهم الويل والعذاب صنوفاً وألواناً، وأن تتلون بلون الفترة التى يعيشها المسلمون ضد الغزاة أو المستعمرين، مؤكداً أن فتاوى هذه الفترات كانت فى فترة المدِّ الصليبى والمد التتارى على الأمة الإسلامية.
هذا مثال جيد من كلام شيخ الأزهر، بل ومن موقف الأزهر، لكن الأهم أن ينقى الأزهر نفسه ممن ينتسبون إليه شكلاً وينالون منه مضموناً.
المصدر : جريدة الوطن