بقلم : معتز بالله عبد الفتاح
هل الرئيس السيسى مهتم بالحجَر أكثر من اهتمامه بالبشر؟ هل الرئيس السيسى مهتم بالبنيان أكثر من اهتمامه بالإنسان؟ الرئيس السيسى عامل زى اللى بيبنى لاولاده مصنع وشركة ومطعم، ومش مركز بنفس القدر على تعليمهم وتربيتهم وحسن أخلاقهم. هو «يتحدث»، مرة أخرى «يتحدث»، كثيراً فى الأخلاقيات وينتقد الإعلام، ويتحدّث عن الحاجة إلى ثورة دينية وأهمية التعليم وأهمية تنظيم الأسرة، لكنه «يتخذ قرارات»، مرة أخرى «يتخذ قرارات»، كثيرة مهمة فى ملفات تعبيد الطرق، وحفر القناة الجديدة، واستصلاح أراضٍ جديدة، وغيرها من الأمور المهمة، لكنها ليست الوحيدة المهمة.
فى أمور بناء الشخصية المصرية، الرئيس السيسى يتبنّى منطق العلاقات العامة (public policies) وإشهاد الناس أنه قد أبلغ، ثم يسكت، بل أحياناً فى أمور معينة يقول: «ومش عايز أتدخل». فى أمور بناء المشاريع الوطنية المصرية، الرئيس السيسى يتبنى منطق السياسات العامة (public policies)، يجتمع ويُناقش ويُعدّل القوانين، ويصدر الأوامر المحدّدة بالزمان والموازنة، ويتابع شخصياً التنفيذ. مهم كذلك يا ريس.. بناء الإنسان وفقاً للحكمة القديمة: إحنا اللى بنعمل الفلوس مش الفلوس اللى بتعملنا. قيل لى إن الرئيس أعجب بالفيديو الذى أذعناه فى لقائى مع المهندس إبراهيم محلب، وأذاعه التليفزيون المصرى، حول كيفية بناء قيادات كوريا الجنوبية لنهضتها، بدءاً بالاهتمام بالتعليم وبناء الشخصية الكورية. لو صحّت الرواية التى وصلتنى، فأنا أقول للرئيس نحن بحاجة إلى أن نفعل ما فعلوه فى كوريا الجنوبية. هناك اهتموا ببناء الإنسان: علماً وتربيةً وخلقاً وسلوكاً، وجعلوا هذه القضية هى الأَولى بالتقديم على ما دونها من قضايا. لو حدث زلزال مدمّر فى كوريا الجنوبية الآن وجاء عاليها واطيها (لا قدر الله)، لن تكون أكثر من سنوات قليلة لتعود إلى ما كانت عليه، لأن الإنسان الكورى قوى عفى جاهز قادر مستعد. لو حدث زلزال فى مصر جاب عاليها واطيها (لا قدر الله)، سيضيع كل ما نبنيه يا ريس فى عهدك، نحن نُصلح الموتور، لكننا لا نُبلغ سائق السيارة بأخطائه التى أدت إلى تدمير الموتور. رئيس وزراء سنغافورة الراحل، لى كوان يو، قال: «لم يكن دورى أن أغيّر سنغافورة، كان دورى أن أغيّر الإنسان السنغافورى، وهو يغير سنغافورة». وهذا هو ما فعله المصلحون فى كل مجتمعات الدنيا، بدءاً من الأنبياء، وصولاً إلى من قادوا الأمم وساسوا الشعوب. هل نحن نعرف خصائص الإنسان المصرى الذى نريده بعد 10 سنوات من اليوم؟ لأ.. لكننا نعرف خصائص قناة السويس الجديدة طولاً وعرضاً وعمقاً.
إن بناء الشخصية المصرية على أُسس حضارية وتنموية لن يكلفنا أموالاً، لكنه سيُكلفنا تنسيقاً بين القائمين على الخطابات السياسية والدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية.
إننا بحاجة إلى أن نهتم بالحجَر بقدر اهتمامنا بالبشر. لأن الدولة لا تقوم بوظيفتها التربوية بنفس اهتمامها بوظيفتيها الأمنية والتنموية، وهى لن تنجح فى وظيفتيها الأمنية والتنموية إلا إذا قامت بوظيفتها التربوية. لو كنا مقتنعين بأهمية تربية الإنسان، بقدر اهتمامنا ببناء البنيان، فهذه محاولة. أزعم أن هناك خمسة أنواع من القيم المركزية أو القيم الآمرة التى لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، ولا يجوز التسامح مع تجاهلها، والتى ينبغى أن تضطلع الدولة بمهام إقرارها فى العقل المصرى، وهى قيم اقتصادية وسياسية وسلوكية وأخلاقية واجتماعية، استقرت عليها الكتب المتخصصة وتبنّاها الكثير من الدول التى حقّقت نهضتها.
والدولة تملك خمسة أنواع من الخطاب يمكن أن تستخدمها لبناء الإنسان المصرى الجديد، وهى: الخطاب السياسى، الخطاب الدينى، الخطاب الإعلامى، الخطاب الثقافى والفنى، الخطاب التعليمى. نعم نستطيع، لو قرّرنا أن ننجح. لسنا بدعاً من البشر، لكننا نمط متكرر من الفشل فى تحديد الأولويات وحُسن إدارة الملفات. أختم بأن أقول: «لا مجال لمصر جديدة، إلا بإنسان مصرى جديد». قولوا يا رب.