هناك مواقف يتبنّاها البعض على أساس شبه أيديولوجى مثل من يرفض أو يقبل ابتداءً قرض صندوق النقد رغماً عن أن هناك دولاً استعانت بالقرض وأحسنت الاستفادة منه، وأخرى لم توفق. وأثناء كتابتى هذا المقال وجدت أن موقع «اليوم السابع» قد ترجم معلومات عن عدد من الحالات التى تعاونت مع صندوق النقد. وعلى سبيل المثال:
الأردن
ويقول موقع «إنفستوبديا» إن الصندوق كان لديه الكثير من قصص النجاح وأيضاً الفشل، مشيراً إلى نموذج الأردن باعتباره نموذجاً ناجحاً. وقال إن الأردن عام 1989 تأثرت بالحرب مع إسرائيل والأوضاع الداخلية، فضلاً عن ركود اقتصادى كبير، ووصلت نسبة البطالة إلى 35%، وكانت تجد صعوبة فى سداد القروض. ووافقت حينها على سلسلة من الإصلاحات تُنفّذ خلال خمسة أعوام، وحصلت على قرض صندوق النقد الدولى.
وبعد حرب الخليج وعودة 230 ألف أردنى إثر غزو العراق للكويت، وجدت الحكومة نفسها فى موقف صعب مرة أخرى، وارتفع مرة أخرى معدل البطالة. ومنح الصندوق فى الفترة بين عامى 1993 إلى 1999 ثلاثة قروض تمويلية لعمان، لتتخذ الحكومة بعد ذلك إصلاحات ضخمة شملت الخصخصة والضرائب والاستثمارات الأجنبية وسياسات تجارية ميسّرة.
وبحلول عام 2000، يضيف الموقع، انضمت الأردن إلى منظمة التجارة العالمية، ووقعت بعدها بعام على اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة، وتمكنت من تقليل الدين العام، وإعادة هيكلته. ويعكس نموذج الأردن كيف يمكن للصندوق أن يُعزّز اقتصاد الدول لتُصبح أكثر قوة واستقراراً وتنضم إلى ركب الأعضاء الفاعلين فى الاقتصاد العالمى.
تنزانيا
لكن هناك الكثير من النماذج التى فشل الصندوق فى مساعدتها، مثل تنزانيا. ويضيف «إنفستوبديا» أن صندوق النقد الدولى حاول عام 1985 أن يحول تنزانيا من دولة اشتراكية مُفلسة مثقلة بالديون إلى مساهم قوى فى الاقتصاد العالمى، لكن اصطدم الصندوق بالكثير من العراقيل التى حالت دون ذلك.
وكانت أولى الخطوات التى اتخذها الصندوق هى تقليل الحواجز التجارية، وتخفيض البرامج الحكومية، وبيع الصناعات التى تملكها الدولة. وبحلول عام 2000، بدأت الرعاية الصحية، التى كانت مجانية، تُحمل المرضى نفقة العلاج مع ارتفاع معدل الإصابة بـ«الإيدز»، وبالمثل، بعد أن كان التعليم مجانياً، أصبح بمقابل مادى، فأسفر عن تراجع نسبة الالتحاق بالمدارس من 80% إلى 66%، مما تسبّب فى ارتفاع معدل الأمية إلى ما يقرب من 50%.
وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى من 309 دولارات إلى 210 دولارات، وذلك فى الفترة من 1985 إلى 2000. وأوضح الموقع أن نموذج تنزانيا يعكس فشل المنظمة فى إدراك أنه لا يمكن تطبيق الاستراتيجية نفسها على جميع الدول.
تونس
تُعد تونس من النماذج الناجحة التى حصلت على قروض من صندوق النقد الدولى أكثر من مرة، كانت آخرها فى النصف الأول من هذا العام (2016)، إذ حصلت على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار، فى إطار برنامج لمدة 4 أعوام، هدفه مساعدتها على اجتياز مرحلة الانتقال السياسى، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلى، وإعطاء دفعة للنمو وحماية الفئات الضعيفة وتنمية القطاع الخاص لتحقيق النمو المستدام وتوفير فرص العمل.
كانت تونس قد حصلت من قِبَل صندوق النقد الدولى على خط ائتمان بقيمة 1.7 مليار دولار عام 2013، خلال سنتين، وقد قسّم الصندوق هذه القروض على دفعات، مشترطاً للإفراج عن كل منها، تطبيق تونس إصلاحات اقتصادية.
وتكافح تونس لتحفيز اقتصادها، فى ظل تراجع عائدات السياحة بعد الهجمات الإرهابية التى شهدتها البلاد، وكان البرلمان التونسى قد أقر قانونين جديدين ضمن حزمة إصلاحات، وهما قانون جديد للبنوك، وآخر يدعم استقلالية البنك المركزى، لكن لا يزال الكثير من الإصلاحات الأخرى ينتظر.
وتراجع اقتصاد تونس بشكل كبير بعد انتفاضة 2011، التى أنهت حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن على، وبلغ النمو الاقتصادى عام 2015، نحو 0.8 بالمائة فقط، متأثراً بتراجع عائدات صناعة السياحة.
روسيا
حصلت روسيا على قرض من صندوق النقد الدولى فى تسعينات القرن الماضى، ولا يمكن وصف التجربة بأنها كانت ناجحة تماماً، ففى تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «BBC» عام 1999، قالت إن مشكلة روسيا أن الحكومة أخذت قروضاً وصلت إلى ما يقرب من 20 مليار دولار، لتكون موسكو بذلك أكبر مقترض من الصندوق، ورغم ذلك لم تُنفذ الأخيرة الإصلاحات المفترض القيام بها.
وأضافت فى تقريرها أن صندوق النقد وجد نفسه فى موقف صعب مع روسيا، لأنها أخذت الكثير من القروض والطريقة الوحيدة لضمان إعادتها كانت عن طريق الاستمرار فى منحها الأموال.
واتهم حينها الصندوق بالتدخُّل فى الوضع السياسى للبلاد، وبعدم الكفاءة، وبجعل مشكلات روسيا الاقتصادية أكثر سوءاً.
غانا
ومن النماذج المتوقّع لها النجاح، إذ حصلت غانا على قرض صندوق النقد الدولى عام 2015، فى إطار برنامج مدته ثلاث سنوات وقيمته 918 مليون دولار، لمساعدتها مالياً بهدف إعادة الاستقرار الاقتصادى وتعزيز نمو الوظائف، وقدّم دعماً فورياً يُقدّر بـ114.4 مليون دولار.
ودعمت هذه الصفقة جهود حكومة غانا لخفض التضخّم وتقليص العجز فى الميزانية وإعادة الاستقرار إلى العملة، وكلها عوامل أدت إلى وقف النمو الاقتصادى فى هذه الدولة الواقعة فى غرب أفريقيا.
وأدى النمو الدائم لإجمالى الناتج المحلى بما يعادل 8% سنوياً، فى ظل نظام ديمقراطى مستقر، إلى جعل غانا واحدة من أفضل الاقتصاديات أداءً فى القارة الأفريقية.
وكان جويل توجا بيرناتى، رئيس بعثة صندوق النقد الدولى قد قال للصحفيين فى غانا إن «أحد الأهداف الرئيسية للبرنامج، تحقيق دعم مالى طموح ودائم، كما أنه سيتم مراجعة التنفيذ مرتين سنوياً».
العراق
أقر المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى فى 2015 كذلك برنامجاً ائتمانياً للعراق يقضى بمنح بغداد قروضاً تصل قيمتها إلى خمسة مليارات و340 مليون دولار خلال ثلاث سنوات، وذلك بعد تعرُّض البلاد لضربة مزدوجة، متمثلة فى تنظيم داعش الإرهابى، وتراجع أسعار النفط.
ويهدف البرنامج الائتمانى الجديد إلى دعم جهود بغداد الرامية إلى مواجهة تداعيات انخفاض أسعار النفط العالمية، وضمان استمرار تسديد فوائد الديون المتراكمة.
وكشف صندوق النقد الدولى عن أن موافقة مجلسه التنفيذى سمحت بالصرف الفورى لنحو 634 مليون دولار.
يُذكر أن هذا البرنامج يُلزم بغداد باتخاذ تدابير ترمى إلى تعزيز فاعلية قوانين مكافحة الفساد، ومنع غسل الأموال والتصدى لتمويل ما يُسمى «الإرهاب».
المغرب
من آخر الدول التى حصلت على قرض من الصندوق فى شمال أفريقيا، المغرب، إذ وافق صندوق النقد الدولى على إمدادها بخط سيولة قيمته 3.47 مليار دولار أمريكى بمقتضى اتفاق يغطى عامين، وذلك لدعم المغرب فى مواصلة الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز آفاق النمو.
ويأتى هذا الاتفاق فى إطار خط الوقاية والسيولة، وهو تسهيل تمويلى يتيحه الصندوق لبلدانه الأعضاء على سبيل الوقاية من الصدمات الخارجية؛ نظراً إلى ارتفاع عدم اليقين على مستوى العالم.
وسيُساعد هذا الاتفاق الحكومة على مواصلة تنفيذ جدول أعمال الإصلاح الذى وضعته، بهدف تعزيز النمو الاحتوائى من خلال معالجة تحديات، مثل البطالة المرتفعة بين الشباب (نحو 21 فى المائة خلال 2015)، ومشاركة الإناث المنخفضة فى القوى العاملة، ودعم التنافسية، فى بيئة خارجية لا تزال غير مواتية.
إذن نجاح القرض أو إخفاقه ليس حتماً، وإنما هو قرار وشروط.