بقلم : معتز بالله عبد الفتاح
لأى مدى يكون رئيس الجمهورية مسئولاً عما يأتى من قرارات وزارية؟ ولأى مدى يكون الوزير مسئولاً عن قرارات موظفيه؟
كتب الدكتور حازم الببلاوى مقالاً عن هذا الموضوع فى عام 2005 قال فيه:
جاءت النظم الديمقراطية بانقلاب شامل المفاهيم، فهى تقوم على تصوّر مختلف تماماً للعمل السياسى، فالعمل السياسى ما زال شكلاً من أشكال ممارسة السلطة، لكن مصدر السلطة هنا هو الشعب، أى مجموع آراء هؤلاء الأفراد الذين يكونون الجماعة، فعلاقة الحاكم بشعبه ليست علاقة تسلط، وإنما هى نتيجة تعاهد وتعاقد، وهو يستمد سلطته من تفويض الشعب فيما يُشبه العقد بين طرفين (العقد الاجتماعى)، ومن هنا فإن مسئولية العمل السياسى فى النظم الديمقراطية الليبرالية هى فى الالتزام بالشروط والتعاهدات التى تم بها التعاهد أو التعاقد فإذا أخل المسئول بهذه الشروط تكون مسئوليته أمام الشعب، ومن هنا تصبح المسئولية السياسية فى النظم الديمقراطية الليبرالية هى مدى الوفاء أو الإخلال بما قطعه الحاكم على نفسه من التزامات سياسية أمام المواطنين، مقابل الحصول على أصواتهم، فسلطات الحاكم السياسية ليست حقوقاً أو امتيازات مقرّرة له، وإنما هى وسائل لكى يتمكن من تنفيذ الالتزامات التى قطعها على نفسه، واستخدام هذه السلطات رهن بتحقيق الأهداف المرجوة من ورائها.
يُفرّق رجال القانون بين المسئولية التعاقدية عند الإخلال بشروط العقد، وبين المسئولية التقصيرية القائمة على الخطأ، وقد تصل جسامة الخطأ فى هذه الحالة إلى أن تصبح هذه المسئولية جنائية، يصبح مرتكبها مجرماً ومذنباً فى نظر القانون، فماذا عن المسئولية السياسية؟ المسئولية السياسية هى نوع من المسئولية التعاقدية بين الحاكم والمحكومين، وبذلك لا يختلف الالتزام السياسى عن أى التزامات أخرى، ففى جميع الأحوال، هناك ضرورة للوفاء بالتعهدات على نحو سليم، ومع حُسن النية وعدم محاولة الغش.
ويعرف القانون تفرقة مهمة بين نوعين من الالتزامات التعاقدية، هناك ما يُعرف بالالتزام ببذل العناية المطلوبة، وهناك ما يُعرف بالالتزام بتحقيق نتيجة معنى الإخلال بتنفيذ الالتزام فى الحالتين، ففى حالة الالتزام ببذل العناية المطلوبة، وهو أن يبذل المدين الجهد اللازم والضرورى، الذى يتفق مع المتعارَف عليه، لأداء الخدمة، وذلك لضمان تحقيق النتيجة المرجوة.
وليس الأمر كذلك مع النوع الآخر من الالتزامات، وهى ما يُعرف بالالتزام بنتيجة، فإن التزام المدين هنا يقتصر على بذل العناية الكافية، بل لا بد أن يُحقق النتيجة المتفق عليها.
وهنا يبرز السؤال: هل التزام رجل السياسة أمام المواطنين هو التزام ببذل عناية، أم أنه التزام بتحقيق نتيجة؟ هذا سؤال مهم تتوقف عليه مدى مسئولية السياسى.
وإنما، وهى تصون أعراض الناس وأموالهم، يجب ألا تعهد إلا لمن هو قادر على تحقيق نتائج متفق عليها، فالأهداف السياسية تدور بشكل عام حول حفظ الأمن وتوفير الاستقرار والسلام وإقامة العدل وحفظ حقوق الأفراد وحرياتهم وضمان التقدم الاقتصادى وتوفير الفرص للجميع بلا تميّز، وحماية مستقبل الأجيال المقبلة، وهكذا، ولا يمكن أن تستمر المجتمعات دون توافر هذه الخدمات، فمسئوليات السياسة لازمة لوجود المجتمعات واستمرارها، ولذلك فإن السلطة السياسية عن ضرورة توفير هذه الخدمات فعلاً، وليس مجرد السعى لذلك، فالتزام السلطة هو التزام بنتيجة، وليس فقط ببذل العناية الواجبة.
فلا يكفى لوفاء رجل السياسة بالتزامه أن يبذل كل الجهد فى هذه الميادين إذا لم تتحقق النتائج المقصودة، فهنا لا يعفى السياسى من المسئولية حسن نيته أو نبل قصده، فالسياسة نتائج، وليست نوايا أو مقاصد، وإذا لم تتحقق النتائج المتفق عليها تقع المسئولية، ولو لم يقع أى خطأ من المسئول. والمسئولية السياسية ليست إدانة أو حكماً على المذنب بسبب خطأ أو تقصير، وإنما المسئولية السياسية هى إعلان بأن النتائج المتفق عليها لم تتحقق، أو لم تتحقق على الوجه المنشود.. المسئولية السياسية إخلال بشروط التعاقد.
السياسة هى ميدان النتائج، ونظرتها دائماً إلى المستقبل، السياسة ليست مجال النوازع الطيبة ومكافأة التاريخ الماضى.