معتز بالله عبد الفتاح
شاهدت حلقة «يوتيوبية» من برنامج «ممكن»، التى استضاف فيها الأستاذ خيرى رمضان الرئيس الفلسطينى أبومازن. لا جديد فى أداء خيرى رمضان، الذى أدار الحوار باحترافية وأحاط بكافة جوانب الموضوع إنسانياً، وسياسياً، محلياً وإقليمياً ودولياً، لكن الجديد فى أن أبومازن بدا صاحب رؤية متماسكة وشجاعة «المستغنى» وقوة المستعد لكل الاحتمالات.
الرجل قدم رؤية رباعية الجوانب ومتسقة البنية. ألخصها فيما يلى:
أولاً، قوة الضعيف. نعم، الفلسطينيون لا يمتلكون ما يمتلكه العدو الإسرائيلى من أسلحة وعدة وعتاد، ولكنه شعب صامد، لا يمكن الرهان على نسيانه حقه فى أرضه، ولا يمكن الرهان على أن أجياله الجديدة ستكون أقل تمسكاً من الأجيال الأكبر بقضية الأرض والعرض. ولا يمكن تصور أن تدمير بنية بلاده أو إسالة دماء أبنائه يمكن أن تجعله يتنازل عما يعتبره حقاً مشروعاً له فى دولة مستقلة كاملة السيادة.
ثانياً، وحدة التنوع. نعم، الفلسطينيون منقسمون يعيشون حالة من تعدد الرؤى، لكن هذا ليس باستثناء إذا ما قارناه بكل دول العالم، ولكنهم، وهذا هو الأخرط، يعيشون حالة من تعدد السلاح بما يعنى أنهم لا يتحدثون بصوت واحد ولا ينصاعون بالضرورة لمصدر واحد فى القرارات السيادية. وهذا أمر، من وجهة نظر أبومازن، أضر بالقضية الفلسطينية وأضعف قدرة المفاوض الفلسطينى على تحقيق مكاسب تتناسب مع حجم التضحيات. لذا فهو يدعم فكرة الحكومة الوطنية الموحدة وصولاً للانتخابات. وليقل الشعب الفلسطينى كلمته، وليصطف خلف قيادته، وليتوقف المزايدون عن الحديث باسم كامل الشعب. ولتكن هناك رؤى متنوعة ولكن ليكن هناك قرار فلسطينى واحد وسلاح فلسطينى واحد.
ثالثاً، الحرب الدبلوماسية. نعم هناك آلة أمريكية جبارة تدافع عن إسرائيل أياً ما كان جرم ما تفعل وصولاً لأن تستخدم حق النقض - الفيتو أكثر من 35 مرة للدفاع عن إسرائيل. ولكن هذا لن يثنى الفلسطينيين عن شن حرب دبلوماسية تستفيد من تراكم الخبرات وتراكم المكاسب لينظر العالم إلى طرفى الصراع وفقاً لمرآة مستوية يكون فيها الإسرائيلى المحتل هو الإرهابى الحقيقى، ويكون فيها الفلسطينى المظلوم هو المعتدى عليه. وهذا خروج على تقاليد تبنتها بعض الفصائل الفلسطينية بنجاح لتمد أعداء فلسطين وأصدقاء إسرائيل بأدلة تستخدمها لتصوير إسرائيل باعتبارها الديمقراطية المحبة للسلام فى وسط أعداء من الإرهابيين يجيدون التهديد والعويل والتهويل وقنابل الصوت الطائشة. أبومازن يتبنى «مقاومة سلمية» فى الداخل، و«حرب دبلوماسية» منسقة فى الخارج. وهى أفضل ما يملكه الفلسطينيون اليوم.
وحين تصوت برلمانات أوروبا، ولو رمزياً، فى اتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهذه مقدمة مهمة لمساندة هذه الدولة حين تعلن رسمياً. وعليه، فسيكون جزءاً من هذه الحرب الدبلوماسية استخدام الأمم المتحدة -سواء مجلس الأمن أو الجمعية العامة- فى اتجاه وضع سقف زمنى للمفاوضات حتى لا تتحول المفاوضات إلى أداة لتدمير القضية الفلسطينية بدلاً من أداة لاستعادة الحقوق المهدرة.
رابعاً، تنسيق الحد الأدنى. لا يمكن هزيمة إسرائيل عسكرياً أو دبلوماسياً إلا بتوحيد العرب وتحييد أمريكا. ولا بد من جهد منظم من أجل شرح وجهة النظر الفلسطينية والعربية فى الولايات المتحدة والعالم لأن غياب تعاطف هؤلاء التام مع القضية الفلسطينية سيكون مضراً لأى جهد فى اتجاه استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى. ولكن هذا لا ينبغى أن يكون جهداً فلسطينياً وإنما ينبغى أن يكون جهداً عربياً حتى ولو كان التنسيق فى حدوده الدنيا. وأعتقد أن هذا هو ما أراد أبومازن المشاهدين أن يستوعبوه حين كرر خيرى رمضان سؤاله عن علاقة أبومازن بدولة قطر وكذلك بتركيا. الرجل يقول: دعونى أستفد من كل طرف وبما يستطيع أن يقدمه لشعب مكلوم ولا تدخلونى أو قضية فلسطين فى خلافاتكم، فهذا مما لا نطيقه.
فى لقاء كريم دعانى إليه الأستاذ عماد الدين أديب مع الرئيس أبومازن منذ أكثر من عامين، تحدثنا فى نفس هذه القضايا، وأتذكر أننا اتفقنا على أن هذه الرباعية المذكورة هى طوق النجاة للقضية الفلسطينية.
وأخيراً فعلها الرجل.