التردى الأخلاقى فى بر مصر

التردى الأخلاقى فى بر مصر

التردى الأخلاقى فى بر مصر

 عمان اليوم -

التردى الأخلاقى فى بر مصر

معتز بالله عبد الفتاح

«التردى الأخلاقى والاجتماعى يجعل النهضة والتنمية مسألة مستحيلة».

هذا ما وصل إليه «ألبرت شويتزر» Albert Schweitzer فى كتابه «فلسفة الحضارة».

حين يسود مجتمع ما قيم سلبية مثل الكذب والافتراء والادعاء والمبالغة وغياب الوازع الأخلاقى (الضمير) فستظهر معها سلوكيات مثل السباب والإهانة والرشاوى والتكاسل والتزوير وأنماط انحراف سلوكى كثيرة.

هذه البيئة الأخلاقية والاجتماعية كانت سائدة فى أواخر عهد اليونان القدماء وأواخر عهد الرومان وأواخر عهد الدولة العثمانية وأواخر عهد حكم القياصرة فى روسيا. بل يذهب «شويتزر» إلى أنها مسألة أصبحت أقرب إلى قوانين الفيزياء: كلما زاد التردى الأخلاقى والاجتماعى فى مجتمع ما، تراجعت قيم النهضة من الثقة المتبادلة والاستعداد للتضحية والرغبة فى العمل المشترك، وبالتالى استحالت عملية التنمية والتطور.

هذه هى المعضلة التى واجهت معظم مجتمعات الجنوب التى استقلت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان التردى الأخلاقى هو سيد الموقف فى معظم هذه الدول، وما كان من قياداتها إلا أن سعت فى ثلاثة اتجاهات:

أولاً، إعطاء القدوة والمثل من قبَل قيادات الدولة وإعطاء صورة ذهنية إيجابية فى التضحية والعطاء والالتزام.

ثانياً: تحديث البنية التشريعية وتطبيقها بشكل صارم على الجميع.

ثالثاً: استخدام كل وسائل التوعية (من تعليم وإعلام وخطاب دينى وثقافى) مع تحريك كل الرموز الوطنية وقيادات الرأى العام لإحداث تحول معرفى (paradigm shift) فى طريقة تفكير ونمط استهلاك وأسلوب حياة الأجيال الجديدة.

كلام «شويتزر» ينطبق تمام الانطباق على ما نعيشه فى مصر الآن من ترد أخلاقى واجتماعى يضرب تقريباً كافة أوجه الحياة فى مصر من سلوك الكثير من الإعلاميين (وهؤلاء تأثيرهم كبير للغاية) وما يعرضون له من موضوعات تثير الفتن وتقتل الأمل وتدمر القيم، إلى سلوك بعض البرلمانيين الذين يؤكدون أن التردى وصل إلى عقل الناخب الذى أساء الاختيار، إلى سلوك بعض القائمين على إنفاذ القانون (بعض أمناء الشرطة مثال واضح ومؤسف)، إلى سلوك بعض المدرسين وما ينعكس على الطلبة من رسائل سلبية يرسلها الكبار إلى الصغار، إلى زيادة نسبة الطلاق بشكل لافت للنظر وما يأتى معها من ظاهرة الأمهات المعيلة، إلى الألفاظ غير اللائقة والسباب والشتائم فى مواقع «التباعد» الاجتماعى، وسلوك الناس فى الطرق والشوارع وغيرها.

هذه كلها مظاهر لو وضعناها على «مسطرة» شويتزر لانتهينا إلى نتيجة مفادها أننا نتردى أخلاقياً واجتماعياً. والمجتمع يتحلل، وتحلله سينعكس حتماً على تفكك الدولة وضعف أداء القائمين عليها لأنه مهما كان حسن نوايا من هم فى قمة هرم السلطة فإن الخيوط التى تربط بين قمة الهرم وأوسطه وقاعدته لن تنجح فى إقامة بنية القيم الواجبة لتغيير السلوك وبالتالى لإحداث نهضة جادة.

أعلم أن السلطة القائمة فى البلاد لديها مهام جسام لأنه لا يوجد قطاعات سليمة كثيرة فى البلاد بسبب سنوات طوال من التردى الأخلاقى والاجتماعى. وهو ما أشار إليه الرئيس بقوله: «كل ما أضع يدى فى مجال، أجد مشاكل كبيرة».

وهذا مفهوم تماماً لأن هناك قاسماً مشتركاً بين كل القطاعات وهو «التردى الأخلاقى والاجتماعى» عند معظم القائمين عليها.

الحل لن يكون فقط فى استثمارات أكثر وسياحة أكثر وأراض تُستصلح أكثر.. الحل لا بد أن يرتبط بالإنسان: أخلاقه وسلوكه. وهو ما ينبغى أن توليه الدولة اهتماماً أكبر.

أتمنى على السيد الرئيس أن يعين شخصاً متفرغاً فى منصب: «مساعد الرئيس لشئون القيم والسلوك» يقوم بمهام التنسيق والمتابعة مع المعنيين والاستفادة من الثلاثية السابقة المشار إليها.

يا رب نرى خيراً فى قابل أيامنا.

omantoday

GMT 09:36 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

أمين شرطة «اسمالله»!

GMT 08:17 2016 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أمين الشرطة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التردى الأخلاقى فى بر مصر التردى الأخلاقى فى بر مصر



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab