صباح ماتت

"صباح" ماتت

"صباح" ماتت

 عمان اليوم -

صباح ماتت

معتز بالله عبد الفتاح

لفترة طويلة، كان تقدم العمر بالفنانة «صباح» مثار تندُّر.. وها هى ماتت.

وتتواتر التعليقات على أن من ينتحر يئس من رحمة الله، ولا أدرى هل هو يئس من رحمة الله أم هو يئس من رحمة الناس ففر إلى رحمة الله؟

ليست عندى إجابة، ولكن أتأمل آيات القرآن وأتأمل خبرتى الشخصية لأصل لاستنتاجات أقرب إلى الفلسفة الفارغة أحياناً.

قال تعالى: «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» صدق الله العظيم.

وقال: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» صدق الله العظيم.

وقد توفى أبى وأنا صغير، ولا أتذكر أننى بكيت آنذاك، فقد تقبّلت وفاته بصدر رحب للغاية، وكان بكاء أمى وأخى وأختى يبعث فى نفسى الكثير من الاستغراب. لقد عشنا جميعاً فصولاً مؤلمة لرجل ينهش المرض الخبيث فى جسده، يعانى ونعانى معه، وها هو ارتاح!

لم أستسلم إلى الحزن، وكان علىّ أن أُقنع نفسى بأن ما حدث من مرض ثم وفاة خير، ليس فقط بمنطق ألبير كامو «إنك إن أصابك الموت هذا الصيف، فلن يزورك الصيف المقبل»، وإنما بأنه خير له عوائد كثيرة. فاخترعت قصة كحيلة من حيل المغلوب على أمره لمواجهة الواقع المؤلم. وكبرت القصة معى حتى صدّقتها، وأصبحت أكررها على نفسى من آن إلى آخر.

إنها ببساطة قصة التحرُّر، تحرر الروح من الجسد. الروح تريد أن تنطلق إلى آفاق أرحب وأوسع بعد أن تتخلص من الجسد وما يمثله من محدودية وشهوانية.

وكى تتحرر، فالروح تستعين بخالقها كى يدمر هذا الجسد المسجونة فيه، ويستجيب الخالق سبحانه فى توقيت يراه هو، كى تتحرر الروح بعد أن يكون الجسد قد أدى دوره فى التدافع على الأرض.

ولمحدودية أفقنا نعتقد أن هذا التحرر مصيبة، وهو وصف استخدمه القرآن الكريم كإقرار لمشاعر البشر التلقائية «مصيبة الموت».

ولكن أعتقد أن هذا المعنى الدنيوى للموت كمصيبة، هو جزء من خوف الإنسان مما يجهل. قطعاً لا يتذكر أىٌّ منا مشاعره قبل أن يُولد أو بعد الولادة مباشرة، لكننا نخرج عادة من أرحام أمهاتنا فى حالة بكاء؛ لأن السكون والدعة والهدوء والسكينة التى كنا نعيش فيها انتهت وسيحل محلها المجهول، ثم يتحوّل المجهول إلى معلوم ملىء بالكَبَد (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِى كَبَدٍ) والضعف (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفاً).

ولكننا ننسى أن الموت هو البداية الحقيقية للحياة الحقيقية، حياة بلا جسد تتقلب عليه أحوال البشر من صحة ومرض، قوة وضعف، استقامة وعوج، خير وشر.

سألتنى ابنتى عن عمرى حين مات والدى فقلت لها 13 سنة، وقد كان ذلك عمرها آنذاك، فبكت وبكى ابنى (الذى هو أصغر منها). فقال لى وكأنه يستعطفنى: «اوعدنى أن تعيش أطول فترة ممكنة». فوعدته حتى يتوقف عن البكاء، ولكننى بدأت أعلّمه خيرية الموت كنوع من «تحرُّر» الروح من الجسد. ولكنه لم يقتنع، على الأقل مؤقتاً.

نقول كثيراً عن شخص مات: «ارتاح»، أعتقد أننا أصبنا كبد الحقيقة، فالموت راحة، ولكنه ليس راحة اختيارية. هى إرادة الله قبل كل شىء.

فليعش أحدنا قدر ما يستطيع، باحثاً عن الخير الذى داخله والذى يستطيع أن يتركه للعالم المحيط به، ولكن عليه ألا ينسى أننا فى رحلة.

نُسب إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «يا أبا ذر أحكم السفينة، فإن البحر عميق، واستكثر الزاد فإن السفر طويل، وخفف ظهرك فإن العقبة كؤود، وأخلص العمل فإن الناقد بصير».

اللهم ارحم موتانا، وعاملنا بالفضل لا بالعدل.. آمين.

omantoday

GMT 15:14 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تحت البحر

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 15:12 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

لا سامح الله من أغلق ملفات الفساد

GMT 15:11 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصرنا!

GMT 15:10 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكر السياسي سيرورات لا مجرّد نقائض

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

«إنت بتفهم في السياسة أكتر من الخواجه؟!»

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس ترمب؟!

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة العشرين وقمة اللاحسم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صباح ماتت صباح ماتت



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab