معتز بالله عبد الفتاح
حين سمعت كلام الرئيس السيسى عن التضحية من أجل الوطن فى مارس الماضى كتبت عموداً فى هذا المكان بعنوان من «باندا» إلى «السيسى»، وكان المقصود جويس باندا «JOYCE BANDA» رئيسة مالاوى، التى ضربت مثلاً بنفسها حين وصلت إلى السلطة فى 2014 وقامت بخفض راتبها، وراتب نائب رئيس الجمهورية بنسبة 30 بالمائة، بل باعت أسطول السيارات التابع للرئاسة، كما باعت الطائرة الرئاسية، وقالت: «إن الركوب مع آخرين والتعرف عليهم فى الطائرة مسألة مفيدة، وفى كل الأحوال، كل الطائرات تصل إلى كل البلاد، بغض النظر عن كونها طائرة رئاسية أو تجارية».
وكان مما ذكرته آنذاك، ما يلى: «لنجاح فكرة التقشف والتضحية والتبرع من أجل المستقبل، فلا بد من أن يكون «البيان على المعلم»، كما يقولون فى الجيش. لا بد أن تكون نقطة البداية من رئيس الجمهورية نفسه ومن المحيطين به، لأن هؤلاء هم القدوة فى هذا المقام. ورغماً عن أن جويس باندا أعطت المثل بنفسها ونائبها فإن معظم الوزراء وأعضاء حزبها لم يفعلوا بالمثل، بل العكس هو الصحيح؛ فقد حامت حولهم شبهات استغلال النفوذ، فبدا الأمر وكأنها تنفخ فى قربة مقطوعة».
أتصور أن الرئيس السيسى قرر أن يقيم الحجة الأخلاقية والسياسية على الجميع بقراره بالتبرع بنصف دخله ونصف ثروته من أجل بلده. وهو بهذا لا يداين مصر، ولكنه يسد الدين الذى عليه تجاهها. ويطلب منا جميعاً أن نفعل مثله.
أعود لتجربة مالاوى لأوضح أن كل هذه الإجراءات التقشفية لم تكن كافية لإنقاذ مالاوى مما تعانيه من فقر مدقع. لذا كان لا بد من الحصول على أكبر قدر ممكن من المنح والمساعدات من الاتحاد الأوروبى ومن هيئات التمويل الدولية والأفريقية. فعلت كل ما استطاعت بشهادة الكثيرين، لدرجة أنها حين وجدت نفسها فى مرمى نيران بعض أباطرة الفساد فى بلادها، أعلنت أنها مستعدة لأن تضحى بالانتخابات المقبلة مقابل أن تقضى على الفساد فى بلادها.
وحين شاع عن عدد من وزرائها تهم الفساد، وبدت التحقيقات الأولوية تشير إلى صحة هذه الشائعات، قامت بإقالة الحكومة ودخلت فى معركة سياسية مع بعض قيادات حزبها، بما جعلها تبدو وحيدة أمام من يهاجمونها من الأحزاب المنافسة.
أروى كل ما سبق للتأكيد على عدة نقاط:
أولاً، إجراءات التقشف والتضحية والتبرع تستهدف بالأساس تغيير ثقافة الناس، وهذا ليس أمراً سهلاً لا سيما فى بيئة تربت على استغلال الفرص والمناصب وليس التضحية من أجل الآخرين.
ثانياً، إجراءات التقشف والتبرع، من ناحية أخرى، يمكن أن تكون كارثية، أو على الأقل ذات جدوى سياسية فقط، وليست ذات جدوى اقتصادية، إن لم تحسن الدولة التعامل معها والاستفادة منها. والمثال هنا من أورجواى، حين كاد يبيع خوسيه موخيكا، رئيس أوروجواى، أسطول السيارات المملوك للدولة وعدداً من الاستراحات المملوكة للرئاسة، ولكن تبين أن عائد الدولة من كل هذه المبيعات أقل من تكلفة تأجيرها لاستضافة اجتماعات وزراء ورؤساء الدول الأعضاء فى منظمة دول أمريكا الجنوبية من الحين للآخر، وبالتالى، هذا القرار سيكون سياسياً جيداً، لكنه، اقتصادياً، مضر.
ثالثاً، مهما كان من تقشف وتضحية فى مصر، فالأهم هو وجود تمويل ضخم يأتى من الخارج، ويكون بعيداً عن البيروقراطية المصرية التقليدية القادرة على «تطفيش» أى مستثمر أجنبى. ولهذا كتبت فى هذا العمود من قبل أن مصر بحاجة لأربعين مليار دولار كل سنة لمدة أربع سنوات بإجمالى 160 مليار دولار حتى تقف على قدميها مرة أخرى وتستطيع أن تعيد الاستقرار للمنطقة ضد من يريدون بها شراً من الداخل والخارج.
رابعاً، أول مسئولية تقع على الإنسان المصرى هى أن يتحسب لقضية الإنجاب بلا حساب التى نعيشها والتى تجعلنا نتزايد عدداً ونقل قيمة وقدرة فى أعيننا وعند الآخرين.
خامساً، عاجل للمصريين: لن تتقدموا حتى تضحوا. والآن جاء وقت التضحية الجادة حتى نتقدم بجد.