من أين جاء هؤلاء المتطرفون

من أين جاء هؤلاء المتطرفون؟

من أين جاء هؤلاء المتطرفون؟

 عمان اليوم -

من أين جاء هؤلاء المتطرفون

معتز بالله عبد الفتاح

اقرأوا معى النص التالى:

«تمضى استراتيجيات مكافحة التطرف القائمة فى العالم العربى اليوم وفق رؤية غير معلنة ولكنها واضحة، الدولة تحتكر الدين، فالحرب فى جوهرها ليست ضد التطرف بذاته، ولكنها ضد ممارسة الدين أو تطبيقه وحتى فهمه خارج المؤسسة الرسمية، فالجريمة لا تختلف عن تهريب السلع غير الممنوعة لذاتها، السجائر والتبغ ليست محظورة على سبيل المثال ولكن يحظر توريدها إلى البلاد بعيداً من الجمارك والمنافذ الحكومية المخصصة لاستيراد البضائع والسلع. ورغم بساطة هذه الفكرة ووضوحها، فإن أحداً لا يريد أن يأخذها فى الاعتبار؛ الدولة ومؤسساتها الدينية والإعلامية والأمنية، وأعداء التطرف الجادون من المثقفين وغير المتدينين والمتدينين المعتدلين، لأنهم وببساطة لا مكان لهم فى مواجهة التطرف إلا بالتحالف مع الدولة التى لا ترفض التطرف ابتداء ولكنها ترى نفسها فى حالة حرب ومواجهة لا تختلف عن المهربين والخارجين على القانون.

فهو تحالف مراوغ، يترك فيه المثقفون أنفسهم ينخدعون؛ فيشاركون فى برامح ومؤسسات إعلامية وفكرية وبحثية، موهمين أنفسهم بأنهم يعملون لأجل الاعتدال والتسامح والتنوير، ويبدعون فى التنظير لأجل التوفيق بين الإسلام والديمقراطية والعلم، ويجدون أدلة بلا حدود على التسامح والاعتدال والتعايش، ولا يحاولون ملاحظة أن أحداً لا يستمع إليهم ولا يريدهم، وأن المتطرفين أقرب إلى السلطة منهم، إنهم فى نظر رجل الدولة ليسوا سوى مجموعة من الثرثارين الذين لا حاجة لهم سوى أن يسمعهم الغرب، وهؤلاء (الغرب) بمنظماتهم ومؤسساتهم المشغولة بحقوق الإنسان والتنمية والديمقراطية هم أيضاًً يُشعرون أنفسهم بالرضا الزائف معتقدين أن ثمة قطاعاً واسعاً وممتداً من المعتدلين والمناضلين لأجل قيم الديمقراطية والتسامح، لقد رأوا بأنفسهم المئات منهم فى كل لقاء أو احتفال فى فنادق الخمس نجوم وبخاصة فى الغداء وحفلات الاستقبال، وهو جمهور يبدو أكثر عدداً واهتماماً من الناشطين فى الغرب، ويتحدثون الإنجليزية بكفاءة، ويطبّقون أسلوب الحياة القريب إلى العالم المتحضر!

ولكن أحداً من هؤلاء المعتدلين والمتنورين الأنيقين لا يريد أن يعترف بأن قيم الاعتدال والتسامح والديمقراطية التى يتحدثون عنها بإسراف فى الفنادق والندوات ووسائل الإعلام لا يستطيع أصحابها التقدم بها إلى الناخبين وستفشل فى الاختبار الديمقراطى الذى يدعون إليه، إنها ببساطة أيقونات جميلة ورائعة ولكنها لا تملك قواعد اجتماعية تتحرك لأجلها وتنتخب أصحابها فى المجالس النيابية والبلدية والنقابية.

والحقيقة الأخرى القاسية المؤلمة أن التنوير والاعتدال يحلاّن فى مجتمعات ومدن قائمة بالفعل، وتسعى فى تشكيل وعيها لذاتها؛ ما يعنى بالضرورة أن جهود وبرامج بناء الاعتدال والتسامح يجب أن تكون عمليات وبرامج لتجميع الناس والمجتمعات والجماعات والمدن والأماكن حول أولوياتها ومصالحها وأن تلاحظ المجتمعات بالفعل العلاقة بين مصالحها وتقدمها وبين الاعتدال والتسامح؛ إنها فى الواقع تشكيل المجتمعات واستقلالها وقدرتها على بناء مواردها ومؤسساتها، ثم وبطبيعة الحال بناء القيم والثقافة والأفكار التى تحمى هذه الموارد والمؤسسات وتطوّرها. لكن تكاد لا توجد لدينا مدن ولا مجتمعات، وهذه القيم الجميلة التى ندعو إليها تفتقر إلى الشرط التقنى الأساسى لنجاحها وهو وجود المدن والمجتمعات.

والحقيقة الثالثة والأكثر إيلاماً وقسوة هى أن المصادر الفكرية والدينية للمتطرفين هى نفسها المصادر القائمة والمتقبلة لدى العرب والمسلمين على مدار واقعهم وتاريخهم، فهم لا يستخدمون فى واقع الحال أدلة ونصوصاً غريبة علينا ولا يؤمنون بغير ما نؤمن به، ولكنهم فى نظر الدول يريدون تطبيق مبادئهم بأنفسهم، وهذا حق الدولة وواجبها، وهم فى نظر الجماعات الإسلامية السياسية (المعتدلة) متعجلون لا يأخذون بسنن التدرج، ولم يلاحظوا أن الرسول سكت على الأصنام حول الكعبة وأجّل هدمها إلى حين امتلك القوة الكافية لذلك، بمعنى أننا لا نختلف عن الجاهلية فى شىء، بل نحن جاهلية، وأن الفرق بين (داعش) و(الإخوان) هو فى التدرج وفى توقيت ذبحنا وهدم أصنامنا! ولا خيار لنا سوى الهروب من التطرف الجماعاتى الأرعن إلى تطرف الدولة!».

هذه المقالة للكاتب الأردنى إبراهيم غرايبة، وفيها من الصراحة والتساؤلات ما جعلنى أظن أنها من أهم ما كُتب فى علاقة «الكتيبة» بالسلطة، أى سلطة.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من أين جاء هؤلاء المتطرفون من أين جاء هؤلاء المتطرفون



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab