معتز بالله عبد الفتاح
أعجبنى العنوان الذى اختاره الأستاذ محمود مسلم لمقاله الذى كتبه فى 18 سبتمبر 2013 وأعاد نشره أمس فى «الوطن» بعنوان «مع فلسطين ضد حماس». وأعتقد أن هذا العنوان يلخص موقف الكثير من المصريين خلال هذه الفترة.
أدعوكم لقراءة المقال من على موقع «الوطن» ولكن كذلك أرجو ألا يعتقد أحد، بمن فيهم أعضاء حماس، أن التفرقة بينهم وبين فلسطين خروج عن المألوف فى عالم السياسة. أنتم جزء من فضاءين وهويتين مرتبكتين ومربكتين: الهوية الفلسطينية والهوية الإخوانية. ولكن المعضلة أنكم لا تجيدون قراءة الخريطة السياسية على نحو سليم.
أعلن بوضوح أننى مع عودة كل لاجئ فلسطينى إلى أرضه وأن يكون الحل هو دولة واحدة للجميع: مسلمين ومسيحيين ويهود، وأرغب فى أن تكون فلسطين أرض السلام. ولكن هل النوايا الحسنة والأحلام الطيبة تغنى عن الواقع شيئاً؟
نحن أتباع دين كان رسوله (صلى الله عليه وسلم) يرسل الرسل ليعرف عدد جنود الجيش الذى سيحاربه ورفض أن يقتل زعيم المنافقين حتى لا يشيع فى الناس أن محمداً يقتل أصحابه، فيخسر الإسلام حسن سمعته. نحن أتباع دين كتَب فقهاؤه الأولون فى الموازنة بين المنافع والمفاسد وجعلوا منه فرعاً مهماً فى السياسة الشرعية سابقين بذلك عشرات الدراسات الغربية فى هذا الصدد.
ومع ذلك تصمم «حماس» على أن تتصرف وكأن قتل أبنائنا وأهلنا، والذين هم غالبا أقاربهم وأبناؤهم أيضاً، ليس مسألة ذات أهمية. ما أفهمه أن الموت فى سبيل الله ليس هدفاً للمسلم إنما الهدف هو النصر، أما الموت بمعنى الاستشهاد فهو نتيجة يمكن أن تأتى لأحدنا مع النصر أو مع الهزيمة، ولكن أن يكون الهدف هو الموت فأنا لست متأكداً منه. وإلا لماذا حيّا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خالد بن الوليد بعد أن انسحب بالجيش من مؤتة حين تأكد من استحالة النصر وتيقن من الموت؟
طبعًا رحمة الله على كل من استشهد كبارًا وصغارًا رجالاً ونساءً، ولكننى لست متأكداً أن معيار عدد من ماتوا منا هو معيار حساب النصر والهزيمة.
حركات التحرر الوطنى فى العالم أمامها خمسة بدائل تفاضل فيما بينها، وتستطيع أن تجمع بين أكثر من بديل شريطة أن يكون المنتج النهائى هو «النصر» وليس مجرد «الموت».
أولاً: بديل الهدنة من أجل الاستعداد بمزيد من التسلح والتدريب والإعداد للمعارك وتبيّن مساحات ضعف العدو.
ثانياً: بديل الاستنزاف العسكرى عن طريق عمليات نوعية بمنطق الـ GUERILLA WARS أو حروب العصابات، فيستيقظ العدو على خسائر مهولة نتيجة عمليات مخطط لها بدقة، وشريطة ألا تكون نتائجها من الخسائر تجعلها غير ذات جدوى.
ثالثاً: المقاومة المدنية السلمية التى تخلق أجواء من الدعم السياسى المعنوى العالمى لأصحاب قضية التحرر بالتأكيد على عدالتها وعلى مخاطبة الضمير العالمى لمساندة حركة التحرر مثلما فعل غاندى ومارتن لوثر كينج ونيلسون مانديلا فى الجزء الأخير من نضال المؤتمر الأفريقى. وبدلاً من أن توصف حركة التحرر بأنها إرهابية تقتل المدنيين يتحول المحتل إلى الإرهابى لأن هذا الواقع فى حالة إسرائيل ومثلما فعل الفلسطينيون فى انتفاضة 1987.
رابعاً: بديل الحرب المفتوحة حين تتأكد حركة التحرر من أنها تمتلك ما يكفى من عتاد وعدة وتؤمن مصادر إمداد مالى وتسليحى لحرب طويلة المدى.
خامساً: بديل الانتقام بل استفزاز المحتل كى يظهر عن وجهه الإرهابى شريطة أن يكون لذلك عواقب وخيمة على المحتل وليس على حركة التحرر وكأنها تجر المحتل إلى فخ.
لا أعرف كيف يفكر قادة حماس، ولكن ما أنا على ثقة منه أن المنطقة لن تتحمل «حماس ستان» وأن مصر ستفعل كل ما تستطيع لدعم الفلسطينيين ولكن سقف دعمها سيكون محدوداً بألا يكون على حدودها إمارة إخوانية تحت أى اسم كان.
دعم الفلسطينيين مادياً ومعنوياً فرض علينا جميعاً، ولكن أرجو ألا تكون حماس هى «الصديق» المندفع الذى يضر نفسه وقضيته وقضيتنا جميعاً.