بقلم:أسامة غريب
ظل الإنسان زمنًا طويلًا يكدح ويمارس الأشغال الشاقة من أجل لقمة العيش. فى البداية كان الناس جميعًا يعملون ويؤدون نفس المهام التى تحتاج للقوة وتستهلك الجهد، لكن بعد تنظيم المجتمعات وما صاحب ذلك من تقسيم طبقى، أصبح بعض الناس يؤدون أعمالًا أخف ويبذلون جهدًا أقل من غيرهم. وقد ترتب على هذا أنْ توفّر لهؤلاء وقت فراغ لم يكن متاحًا فى السابق سعوا ليشغلوه بالقدر الذى تناسب مع قدراتهم المادية. منذ ذلك الوقت اكتشف الناس حلمًا وجدوه جديرًا بأن يقاتلوا من أجل تحقيقه، ألا وهو الحصول على المزيد من هذا الوقت الذى لا يكونون فيه مضطرين لأداء العمل الشاق فيتمكنوا من التمتع بأطايب الحياة. وعلى ذلك يمكن اعتبار كل ما أنجزه الإنسان من علوم وبحوث واختراعات واكتشافات وتشريعات، أنه كان لأجل هذا الهدف الغالى..
الحصول على المزيد من الوقت الخالى. هذا وقد نجحت البشرية إجمالًا فى تحقيق هذا الهدف بنسب متفاوتة فى كل مجتمع، فهناك بلاد اشتغلت الأجيال السابقة فيها بشكل كثيف أراح من أتوا بعدهم وجعلهم يعيشون حاليًا فى بحبوحة من الخدمات والوفرة بحيث إنهم يعملون عدد ساعات قليلا فى الأسبوع، وبعضهم يعمل وينجز فروضه من خلال الكمبيوتر دون أن يضطر إلى مغادرة البيت بعد أن صار العمل الشاق الذى يحتاج إلى العضلات والعرق الغزير مقصورًا على أبناء المجتمعات الأقل تقدمًا، وبطبيعة الحال لا يدخل فى موضوعنا هذا العاطلون والمتبطلون الذين فشلت سوق العمل فى استيعابهم، وأصبح لديهم أوقات طويلة فارغة؛ لأن ضيق ذات اليد سيحول بينهم وبين الاستمتاع بهذا بالفراغ وإنفاقه فيما يسعد النفس ويسر الخاطر. كما أن هناك مجتمعات أصابها الخير بالصدفة ودون جهد فقامت باستيراد من يقومون بأداء الأعمال حتى البسيط منها، وبذلك توفّر لأبنائها الكثير من وقت الفراغ. ومع ذلك فقد وجد الإنسان نفسه يواجه مشكلة جديدة هى ماذا يفعل بكل هذا الوقت الذى يشكل مجموعه حياته ذاتها؟.. لأجل ذلك برزت دنيا مستحدثة ومشروعات قائمة كلها على الترفيه وتقديم ما يزجى الوقت ويدفع الملل، وقد وفرت هذه الصناعة الضخمة فرص عمل بالملايين فى مجالات السياحة والترفيه، وهى أعمال لم تكن موجودة فى القرون الماضية عندما كان النشاط الإنسانى فى غالبه يهدف للحصول على الطعام فقط. الآن لم تعد السياحة حكرًا على المليونيرات، لكن دخلت شرائح جديدة إلى سوق الضجر والملل من الذين توافر لهم الوقت وأصبحوا يحصلون على نصيبهم العادل من الأنتخة!. المشكلة أن هذا الحلم الذى سعى الإنسان لتحقيقه منذ الأزل لم يقدم للناس السعادة كما كانوا يظنون..ربما يكون قد أعفاهم من القيام بالعمل الشاق لكنه لم يهدئ نفوسهم، بل زادهم حيرة بعد أن منحهم الوقت للتفكير والتأمل، ومن الغريب أن التفكير لم يدفعهم إلى الزهد والحكمة، لكن زادهم شرهًا ورغبة فى الاستحواذ والاستهلاك، فبعدت المسافة بينهم وبين السعادة التى كانوا يرجونها