بقلم:أسامة غريب
رغم العنجهية التاريخية لبريطانيا العظمى، فقد استطاعت مبادئ الديمقراطية والمساواة المتغلغلة فى بنية المجتمع هناك أن تستوعب المهاجرين وتدمجهم وتجعل منهم مواطنين بريطانيين، بصرف النظر عن أصولهم التى ينحدرون منها.
وساذج من يتصور أن صادق خان، عمدة لندن المسلم ذا الجذور الباكستانية، سيستغل موقعه فى خدمة الإسلام أو سيقوم بتمثيل مصالح إسلام آباد.. فطبيعة الأمور فى المجتمع اللندنى لا تسمح لهذه الأوهام التى يتصورها الإسلاميون بالظهور.
الأمر نفسه ينطبق على حمزة يوسف، رئيس وزراء أسكتلندا، الذى فاز بثقة الحزب الحاكم ليخلف نيكولا ستورجين فى المنصب الكبير، فكونه مسلمًا متزوجًا من فلسطينية لا يعنى أنه سيعمل من أجل إقامة دولة الخلافة، ولا أنه سيكون نصيرًا وداعمًا للقضية الفلسطينية فى أسكتلندا، لكن ما سيدعمه ويعمل لتحقيقه بقوة هو مصالح الأسكتلنديين الذين أتوا به للمنصب ويستطيعون تغييره لو اجتمعت إرادتهم.
وإذا أتينا إلى ريشى سوناك الذى يحكم بريطانيا العظمى كلها بأقاليمها الأربعة (إنجلترا وأسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية)، وهو المنحدر من أصل هندى كما يدين بالهندوسية، فليس من المتصور أن يظن بعض الناس الطيبين فى نيودلهى وبومباى أنهم وضعوا رَجلهم المخلص فى الموقع الذى شغله تشرشل من قبل.
فالحقيقة أن الذى يشغل هذا المنصب اليوم هو المواطن البريطانى سوناك، الذى يدين لدولته بريطانيا بكل شىء، والذى تعكس مواقفه السياسية الخطط الموضوعة بواسطة الدولة العميقة فى لندن بصرف النظر عن اسم شاغل المنصب وديانته، ولو فرضنا جدلًا أنّ لأصوله الهندية دورًا فى السياسة الخارجية لبلاده.
فلعلنا كنا رأيناه داعمًا للروس فى حربهم ضد أوكرانيا، باعتبار ما بين الهند وروسيا من تحالف وانتماء لمنظمة البريكس المناوئة للغرب.. لكن الحقيقة أنه أشد غلواءً فى عدائه للروس من بوريس جونسون نفسه الذى يُضرب به المثل فى معاداة موسكو والرغبة فى تحطيمها.
يمكن أيضًا النظر إلى هارجيت سينج، وزير الدفاع الكندى السابق، وهو ابن مهاجرين هنود، ينتمى لطائفة السيخ ويرتدى عمامتهم الشهيرة.. لكن هذا الانتماء لا يعنى شيئًا إذا تعلق الأمر بواجبه فى خدمة الحكومة والشعب الكندى. ولماذا نذهب بعيدًا، إن حكام الولايات المتحدة وأعضاء الكونجرس وجميع النافذين فى واشنطن ينتمون بالجذور جميعًا إلى بلاد أخرى.
فمنهم القادم من ألمانيا مثل والد ترامب، ومنهم القادم من كينيا مثل والد أوباما، والقادم من إيطاليا وأيرلندا وفرنسا وإسبانيا والمكسيك، ولا ننسى أن كامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن ابنة مهاجرين هنود.
نخلص من هذا إلى أن البلاد التى تستقبل المهاجرين وترعاهم وتمنحهم الفرصة لا تخسر ولا تزرع طابورًا خامسًا فى أراضيها كما قد يتصور قصيرو النظر، لكنها دائمًا ما تنجح فى أن تدمج هؤلاء فى تلافيف أضابيرها.
فيصير ولاؤهم لوطنهم الجديد أصيلًا وحقيقيًا.. ومع ذلك، لا يجوز إنكار مشاعر الحنين التى قد تربط بعض هؤلاء بأوطانهم السابقة.. غير أن هذا شىء، والولاء والتفانى فى خدمة الوطن الجديد ورعاية مصالحه شىء آخر.