بقلم:أسامة غريب
كنت أقف بالسيارة إلى جانب الطريق عندما لمحت رجلًا رث الهيئة يقترب من السيارات العابرة بالشارع، ثم يتراجع. في البداية ظننته يريد أن يعبر ولا يستطيع، لكن أدهشنى أن العبور لم يكن صعبًا لأنه كان يقف بجوار مطب صناعى يرغم السيارات على التهدئة إلى أدنى سرعة. بعد عدة محاولات من التقدم والتقهقر أدركت أنه متردد في الاختيار بين السيارات، أيها يلقى بنفسه أمامها.. هو إذن من هؤلاء الذين يرمون بلاءهم على الناس. وبالفعل تشجع وارتطم بسيارة مرسيدس توقفت صاحبتها فورًا متحاشية صدم الرجل. كان المنظر واضحًا تمامًا.. الرجل هو الذي صدم السيارة، ومع ذلك ملأ الأفق صراخًا وعلا صوته بالبكاء كأن مدرعة سحقته!. بعد ذلك رأيت صاحبة السيارة تهرول نحوه مفزوعة، فأخذ الرجل يتوعدها بالبوليس إذا لم تنقله فورًا إلى المستشفى. عند هذا الحد نزلت من سيارتى وأوضحت للسيدة وللناس الذين تجمعوا على الضجيج حيلة هذا النصاب الذي ارتمى عمدًا على مقدمة السيارة ليبتز المرأة ويأخذ منها قرشين. لم أكن وحدى الذي شاهد ما حدث، لكن بعض الموجودين شهدوا أيضًا بما رأوه، وأحدهم قال إن هذا الرجل محترف وهو يأتى إلى هذا المكان كل يوم بحثًا عن زبائن جدد. انتهى الأمر رغم انكشاف الحيلة بأن منحته السيدة بعض المال وانطلقت في سبيلها، ويبدو أنها آثرت البعد عن وجع الدماغ في مواجهة شخص حرفته وجع الدماغ!. ومن الواضح أن هذه الحرفة انتشرت وأصبح لها متخصصون لدرجة أن السيناريست وحيد حامد قدمها في فيلم «دم الغزال» في الدور الذي قدمه الفنان نور الشريف وكانت نهايته صدمة حقيقية لم يتحسب لها حطمته وقضت عليه!.
بعض الناس يفعلون أشياء قد لا يصدقها العقل للحصول على المال الذي يكفل تسيير الحياة. عندما تأملت هذه الحالة تذكرت أيام السفر والصعلكة في أوروبا عندما كنا طلبة بالجامعة نغسل الصحون ونبيع الجرائد في ظروف صعبة. وقتها كان يجمع بين أصدقاء الغربة حلم تشاركوا فيه بدون اتفاق، وتمنى كل منهم تحقيقه من أجل أن ينقله نقلة توفر عليه شهورًا من التعب والمرمطة. هذا الحلم ببساطة هو أن يتلقى سعيد الحظ عضة من أحد الكلاب التي تتنزه مع أصحابها كل يوم في الحدائق والشوارع.. عضة بسيطة لا يترتب عليها أضرار جسيمة.. فقط بعض الرضوض والخدوش وبالكثير جرح يلتئم خلال أيام، لكن تكون نتيجته أن تنفتح طاقة السعد على اتساعها للحصول على تعويض معتبر يدفعه صاحب الكلب أو شركة التأمين.
اتسعت ابتسامتى واستحالت ضحكة عريضة وأنا أقر وأعترف بأن الفعل الذي شاهدته بالشارع من هذا المتشرد، والذى أغضبنى بشدة، قد حلم بما يشبهه أصدقاء لى في وقت من الأوقات، وأنه داعب خيالى مثلهم!.. لا يحق لى إذًا أن أغضب من الرجل أو أصدر ضده أحكامًا بالإدانة، فالفرق بيننا أن الظروف ساعدتنى لتجاوز الحلم الرخيص وتخطيه، بينما عاكسته الحياة فتوقفت به عند هذه المرحلة فلم يبرحها.