بقلم:أسامة غريب
استمعت فى أحد مواقع الأغانى على النت إلى تسجيل للموسيقار محمد عبد الوهاب ومعه عبد الحليم حافظ رحمهما الله، وكانت بروفة يقوم عبد الوهاب فيها بتحفيظ حليم اللحن الجديد لأغنية «من غير ليه»، التى كتبها الشاعر مرسى جميل عزيز والتى كان يفترض أن نستمع إليها بصوت حليم لولا وفاته. فى البروفة كان عبد الوهاب يعزف على العود وعبد الحليم يتبعه ويردد وراءه المقاطع المختلفة من أول الأغنية لآخرها.
لفت نظرى أمر رأيته جديرًا بالتعليق، وهو أن حليم كان يتدخل بالتعديل واقتراح جمل لحنية مغايرة للحن عبد الوهاب الأصلى، وأن عبد الوهاب كان يبدى ممانعة ويحاول إقناع حليم ثم لا يلبث أن يستسلم ويعزف على العود الجملة كما اقترحها المطرب الكبير!، ومما يُعرف عن عبد الحليم حافظ أنه كان دائم التدخل فى الألحان بالتعديل والإضافة حتى تخرج الأغنية بالشكل الذى يرضيه. ومفهوم طبعًا أن القدر لم يمهل حليم لغناء الأغنية ولكن عبد الوهاب هو الذى قدمها على شريط كاسيت.
من يستمع إلى الغنوة بصوت عبد الوهاب ثم يستمع إلى البروفة التى جمعت الملحن بالمطرب، سيدرك أن عبد الوهاب قد تخلص بعد وفاة عبد الحليم من كل الجمل اللحنية التى أرادها حليم وكان مُصرًا عليها، وأن اللحن أصبح بعد ذلك وهابيًا خالصًا. وسيدرك المتابع أن عبد الوهاب لم يكن مقتنعًا ولا سعيدًا بتدخلات عبد الحليم فى اللحن.
بدليل أنه تخلص منها عندما استطاع، وأنه فى الحقيقة ما كان يستجيب إلا تحت ضغط سطوة النجم عبد الحليم حافظ وقدرته على تطويع أعتى الملحنين والمؤلفين لإرادته، باعتباره نجم النجوم وملك الشباك فى ذلك الوقت.
ربما كانت هذه القصة كاشفة لقدرة النجوم على فرض إرادتهم على فريق العمل، وهى السُّنة التى استمرت حتى الآن وانتقلت إلى نجوم السينما الذين أصبح الواحد منهم يتدخل فى اختيار باقى زملائه الممثلين رغم أنف المخرج والمؤلف والمنتج.
ويتدخل أيضًا فى الورق المكتوب فيفرض على السيناريست أن يوسع من مساحة دوره على حساب باقى الشخصيات ويرغمه على لىّ عنق الدراما من أجل صاحب السعادة النجم الذى يأتى بالإيرادات التى تملأ خزائن المنتج!.
وغير بعيد عن هذا ما تقوم به بعض النجمات من اشتراط تصويرهن فى الأعمال الفنية من زاوية معينة للوجه، وضرورة الابتعاد عن التصوير من الجهة الأخرى التى لا تفضلها.. ويا ويل مدير التصوير إذا حاول أن يقوم بدوره الطبيعى وأخذ اللقطة طبقًا لرؤيته الخاصة.
لم يعد أى مما سبق يثير الدهشة بالنسبة لنجوم الجيل الحالى الذين يخلو أغلبهم من الموهبة والثقافة، بعد أن رأينا أن عبد الوهاب أعظم الملحنين فى كل العصور وأكثرهم شهرة وتأثيرًا كان ينحنى للريح ويقمع نغماته إرضاء للنجم عبد الحليم حافظ!.