بقلم : أسامة غريب
لماذا ترحب أوروبا وتستجيب للشعوب التى تثور على الديكتاتورية إذا كانت شعوبًا أوروبية مثل بولندا أو أوكرانيا أو من أمريكا اللاتينية، بينما تضنّ بتأييدها للعرب إذا ما رغبوا فى التغيير؟!.
ربما يندهش البعض للسرعة التى استجابت بها أوروبا للحشود التى ملأت ميدان الاستقلال فى كييف عام 2014، وكيف انتفضت وأبدت أقصى درجات الغضب بمجرد أن سقط عشرات القتلى فى الشوارع على يد الشرطة الأوكرانية، بينما لم تحرك ساكنًا لسقوط آلاف القتلى والمصابين فى سوريا وليبيا واليمن مثلًا طوال السنوات الماضية!.
ونحن هنا نتحدث عما سماه الغرب «الثورات الملونة» أو «البرتقالية» فى أوروبا الشرقية، ولا نتطرق للدعم الغربى لأوكرانيا فى حربها ضد روسيا الآن، فهذا موضوع آخر. قد يكون الجوار الجغرافى لروسيا، والعضوية السابقة فى الاتحاد السوفيتى أو ما كان يسمى «دول الكتلة الشرقية» والرغبة فى سحبها من أحضان الروس ضمن الأسباب.
لكن إلى جانب هذا هناك عامل جوهرى نضحك على أنفسنا لو أغفلناه؛ وهو النظرة التى يرانا بها الغرب، ولا أتطرف وأقول إنهم لا يروننا بشرًا، لكن أقول إنهم لا يروننا مماثلين لهم فى الحقوق.. وقد يعود هذا للدعاية التى قدمناها عن أنفسنا، حكامًا ومحكومين.
فالحكام ما فتئوا يحدّثون الغرب عن أنهم يحكمون شعوبًا غير ناضجة لا تعرف مصلحة نفسها، ولو أنها حصلت على الديمقراطية، فإنها حتمًا ستسىء استخدامها، ولسوف تسارع إلى انتخاب المتطرفين الذين يعادون قيم الغرب ويسعون لإقامة دولة داعشية تدعو للجهاد ضد الغرب الصليبى الكافر.
أما عن الشعوب، فإن الصورة الأكثر دلالة التى رآها العالم والتى ساهمت فى تكوين رؤيته للموقف هى صورة أناس غير مكترثين بالدم ولا بعدد الذين يسقطون صرعى، وذلك إما لكونهم مشاركين فى سفك الدماء، أو بسبب أنهم الضحايا الذين يتوقون إلى الموت ويسمونه شهادةً يتعجلونها، بل يندفعون إليها اندفاعًا!.
وقد وضح هذا للعالم فى الحرب الدائرة على الأرض السورية، التى يزعم كل ضحاياها المسلمون أنهم شهداء ذاهبون إلى الجنة!؛ يعنى فى المحصلة النهائية بالنسبة للغرب أننا شعوب تحمل فى صميم ثقافتها استهانة بالأرواح، لا يفزعها عدد الضحايا فى الشوارع ولا أنهار الدم.
شىء آخر لا يفوتنا ذكره، وهو أن الدول التى فتحت أبوابها للمهاجرين الفارّين من جحيم الحروب فى بلادنا، مثل ألمانيا التى ضربت أروع الأمثال فى النبل والإنسانية، قد كافأها اللاجئون بهجمات انتحارية؛ علاوة على طلعات قنص وتحرش بالنساء فى المدن التى آوتهم!.
الخلاصة؛ أن أوروبا أدركت أن حياة البشر فى هذه البلاد محدودة القيمة فى نظر الحكام والمحكومين على السواء، وأن الناس فى هذه المنطقة لهم طبيعة خاصة، يخسر مَن يحاول أو يشجع على تغييرها. وهذا كله لا ينطبق بطبيعة الحال على الإنسان الأوروبى، حتى لو كان يعيش فى دول تغلب شموليتها ليبراليتها، مثل بلغاريا ورومانيا والمجر، وغيرها.