بقلم:أسامة غريب
كان من المعروف أن إسرائيل لا تحتمل حربا طويلة المدى ولا خسائر بشرية كبيرة، فما الذى حدث هذه المرة وجعل المجتمع الإسرائيلى يتحمل الغارات اليومية فى العمق والقصف المتصل لحيفا وتل أبيب، والهرولة نحو الملاجئ التى صار الإسرائيلى يقضى داخلها أكثر مما يقضى فى بيته؟. أعتقد أن السبب يكمن فى شراسة الدولة العسكرية القمعية التى تحكم الكيان الإسرائيلى!.. بعض الناس الطيبين من أهلنا يعتقدون أن إسرائيل دولة ديمقراطية لأن الحكم يتم تداوله فيها ما بين الوحش العمالى والوحش الليكودى، والحقيقة أن الدولة القمعية تفرض رقابة صارمة على الأخبار تجعل المستوطن المجرم العادى لا يعرف حقيقة ما يدور فى المجتمع وعلى جبهات القتال.
وليس سرا أن قيادة العدو التى تخفى الخسائر الفادحة التى تتكبدها فى غزة وفى الجنوب اللبنانى لا تهدف إلى الحفاظ على معنويات الجنود، إذ إن الجنود هم الطرف الوحيد الذى يعرف ويتناقل أخبار الخسائر وأعداد القتلى، لكن الأخبار يتم حجبها عن الشعب حتى لا يطالب بوقف الحرب. لقد كان المجتمع الهش المدلل هو نقطة الضعف دائما، وقد اضطرهم هذا الدلال فى السابق إلى مقايضة مئات الأسرى العرب مقابل جثة واحدة لجندى صهيونى، لكن فى هذه الحرب قررت الضباع الحاكمة أنها لا تريد استرداد الأسرى بل تريد قتلهم حتى تتخلص من الورقة القوية بيد المقاومة الفلسطينية.
هذه المرة تحارب إسرائيل وقد أحدث فيها المتطرفون تغييرات بنيوية جعلتهم يرحبون بالموت مثلهم مثل أى استشهادى عربى أو أفغانى. لم يعد المقاتل الإسرائيلى هو الشاب العلمانى الطرى الذى يريد الفرار من الحرب للتمتع بالحياة فى الديسكو والملعب، وإنما أصبح جانب كبير من الجنود يحملون فى جماجمهم خلفية توراتية ترغب فى خوض معركة الأرماجدون التى ستستدعى المسيح اليهودى إلى الأرض من جديد، وبالتالى لم يعد الموت يخيف ولم تعد الحياة الدنيا أملا يتركون الحرب من أجله!.
لا يعرف الإسرائيليون حجم الخسائر بسبب الرقابة التى تحجب الأخبار عن الجميع، يساعدها فى ذلك الميديا العالمية الخائنة التى صار سدنتها من مذيعين وصحفيين ومعدين يتلاعبون بالأخبار من أجل صيانة الحلم الصهيونى، وحتى يحملوا اليأس إلى المواطن العربى بسبب الأخبار التى يسمعها والتى تشير إلى خسائر رهيبة على الجانب العربى مقابل خسائر طفيفة للغاية فى الجانب الإسرائيلى تصل إلى درجة أن مائتين من الصواريخ الدقيقة تتسبب فى إصابة مواطن واحد سقط على الأرض بينما كان يسارع نحو الملجأ!. صحيح أن إعلام المقاومة صار يقدم لقطات رائعة عن الصاروخ منذ لحظة إعداده حتى وصوله للهدف، وذلك بغرض إفحام الإعلام الصهيونى الغربى والعربى أيضا، ومع ذلك فإن المهمة صعبة لأنه مثلما أن الفارق فى السلاح والعتاد كبير للغاية بين الوحوش الصهاينة وبين العرب المقاومين، فالأدوات الإعلامية أيضا تميل الكفة فيها بقوة نحو العدو. وليس لنا، والحال هكذا، سوى أن نأمل فى أن يكون الحق وتكون عدالة القضية أدوات إضافية لصالحنا فى المعركة.