«الطريق إلى فلسطين»

«الطريق إلى فلسطين»

«الطريق إلى فلسطين»

 عمان اليوم -

«الطريق إلى فلسطين»

عريب الرنتاوي

حين كنا صغاراً نسترق السمع على أحاديث الكبار، كانت الطريق إلى فلسطين تمر بعواصم «الرجعيات العربية» بلغة تلك الأزمنة ... وحين بلغنا سن الشباب، وبات بمقدورنا أن نجالس الكبار ونتحدث إليهم وجهاً إلى وجه، «مرّت» الطريق إلى فلسطين ببغداد والكويت ... اليوم، ونحن نشارف على بلوغ أرذل العمر، يبدو أن الطريق إلى فلسطين، قد اتخذ منعرجاً جديداً، وبات يمر بصعدة وصنعاء والمنامة.
من لم يكن مع جمال عبد الناصر، لم يكن مع فلسطين ... ومن لم يكن مع الاتحاد السوفياتي (الصديق الصدوق) لم يكن مع فلسطين ... ومن لم يكن مع « الإخوة البعثيين الأعداء» في سوريا والعراق، لم يكن مع فلسطين ... ومن لم يكن مع القذافي لم يكن مع فلسطين ... واليوم، من لم يكن مع إيران وسوريا، فهو بالقطع ليس مع فلسطين ... من لم يكن مع الإمام الخامنئي والرئيس الأسد، ليس مع فلسطين... ومن لم يكن مع تركيا و»العدالة والتنمية» والسلطان رجب طيب أردوغان، فهو بالقطع، ليس مع فلسطين.
الطريق إلى فلسطين، متعرج للغاية، وبعد كل عقد من السنين، يسلك مساراً آخراً، وفي كل مرة تزداد الدروب وعورة وبعداً ومشقة ... وعلى قوارع الطرق، يتناثر «زعماء الضرورة»، أو ينتصبون كمنارات و»نقاط علاّم»، والذين من دونهم، ومن دون الارتماء في أحضانهم، تتحقق «الخيانة العظمى»، إذ بقدر ابتعادنا عنهم، نبتعد عن «الوطن السليب»... لا خط مستقيم يصلنا بفلسطين من أسفٍ، ولا طريق غير مزروع بالزعماء المُلهٍمين والملهَمين، يمكنه أن يوصلنا إلى أرض الآباء والأجداد.
فلسطين في الخطاب، القومي / اليساري سابقاً، والإسلامي اليوم، دائماً مدرجة على جدول أعمال «الغد» ... لم يأت يومها بعد، مع أنها أطول وأبعد وأعمق جرح نازف في جسد الأمة، مضى على محاولات استعمارها واستيطانها أزيد من قرن من الزمان، لكن يوم «تحريرها» لم يأزف بعد، وهو دائماً مرجأ بانتظار الحسم في قضايا أخرى، أقل أهمية، ولكنها – سبحان الله – أكثر إلحاحيةً وراهنيةً.
«اليوم شط العرب وغداً فلسطين» ... «اليوم الكويت وغداً فلسطين» ... «اليوم تشاد وغداً فلسطين» ... «اليوم أفغانستان وغداً فلسطين» ... «اليوم الرقة والموصل ودرعا وسيناء وغداً فلسطين» ... دائماً فلسطين تحل «غداً»، وهذا «الغد» لا يأتي، إذ هناك على الدوام ما هو أكثر استعجالاً ... إلى أن وصلنا إلى نظرية «التمكين»، التي يقترح أصحابها إرجاء كل الصراعات وإبرام كل التسويات والتهدئات، إلى أن يتمكن القوم من مقاليد السلطة والسيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع.
زمن الحرب الباردة، و»صعود المعسكر الاشتراكي»، أخضع الشيوعيون واليساريون، سقف مطالبهم ونضالاتهم، للحدود التي يسمح بها الكرملين، باعتبار أن فلسطين ليست سوى «تفصيل صغير» في المواجهة الكونية الكبرى بين معسكري الخير والشر ... وفي أواخر تلك الأزمنة، أخضع الإسلاميون أجندة «التحرير» لحسابات «الجهاد العالمي» و»نظرية الفسطاطين»، فالحرب في أفغانستان ضد الشيوعيين الملاحدة، قاتلهم الله، تتقدم على «الجهاد في فلسطين» وتسمح للمجاهدين بترك جنين ونابلس والخليل والقدس المحتلة، للقتال في تورا بورا وقندهار وكابول ... أما «القوميون» فقد ربطوا مسار قضيتهم الوطنية بمصير «الناصرية» في مصر، فكان شعار «فوق الصفر تحت التوريط» ... وفي كل التجارب المماثلة، وبصرف النظر عن التبرير أو الغطاء الإيديولوجي، كانت فلسطين، مركونة إلى الآجال والأجيال القادمة، موعدنا معها «غداً» وليس اليوم.
ولأنها «قضية العرب المركزية الأولى»، أولأنها «أكناف بيت المقدس» و»الأرض الوقف»، فقد أصبغ القائمون على شعارات تحريرها، على أنفسهم وشعاراتهم، طابع «القداسة»، لا يأتيهم أو يأتيها الباطل عن يمين ولا شمال ... «فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، حتى وإن أفضى ذلك، إلى مقارفة أبشع الانتهاكات والجرائم ضد الخصوم والمخالفين وأصحاب الرأي الآخر والأحزاب والمجتمع المدني والأكاديميين والمثقفين والجامعات والقضاء والإعلام، وخسارة جميع المعارك في الوقت ذاته ... حدث ذلك في سوريا والعراق وليبيا ومصر منذ عبد الناصر.
اليوم، «لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة والممانعة» ... حتى وإن أدى ذلك إلى الانخراط من الرأس حتى أخمص القدمين، في حروب الطوائف والأقوام والمذاهب ... لنكتشف ذات صباح غير جميل، أن معسكر المقاومة والممانع هذا قد تمدد وتوسع من حيث ندري أو لا ندري، حتى أن ميليشيات الحشد الشعبي، التي قارفت أبشع انتهاكات حقوق الانسان باتت منخرطة في هذا المعسكر، ونوري المالكي الذي ظل صديقاً صدوقاً لواشنطن طيلة ثمانية سنوات في الحكم، يقفز فجأة إلى قيادة هذا المعسكر، ولا ندري ماذا بشان أحمد الجلبي... واليوم نستيقظ على حقيقة أن علي عبد الله صالح وجماعة الحوثي، أصبحوا بدورهم ضلعا آخر في «سداسي أو مسدس» المقاومة والممانعة، مع أن الجماعة والشهادة لله، لا تدّعي ذلك لا تلميحاً ولا تصريحاً ... علينا أن نصدق كل ذلك، وأن نهتف له... برغم مفاوضات النووي الإيراني التي تكاد تقترب من خواتيمها، وحقائق التاريخ القريب التي تكشف عن جرائم بعضٍ من أركان هذا المعسكر بحق الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء وأحياء الشتات، مما يندى له جبين البشرية، من مخيمات لبنان التي توزع أغلب سكانها على العواصم والمدن الأوروبية والأمريكية، وحتى ضواحي بغداد التي ضاقت بثلاثين ألف فلسطيني، لم يجدوا غير تشيلي والمكسيك والبرازيل ملاذاً يقبل بهم ويأنسون له ... ولا أدري كيف يمكن للمرؤ أن يكون مع فلسطين وضد شعبها.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الطريق إلى فلسطين» «الطريق إلى فلسطين»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:44 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعه 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الجدي

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab