المقاربة البريطانية للجماعة الإخوانية

المقاربة البريطانية للجماعة الإخوانية

المقاربة البريطانية للجماعة الإخوانية

 عمان اليوم -

المقاربة البريطانية للجماعة الإخوانية

عريب الرنتاوي

لقي التقرير البريطاني الذي أعده السر جون جنكنيز، حول صلة جماعة الإخوان المسلمين بالتطرف والإرهاب، ردود فعل متفاتة من قبل الأطراف ذات الصلة، وبدا أن خلاصات التقرير وتعليقات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عليه، لم ترض أحداً تماماً، سواء من خصوم الإخوان أو مؤيدي الجماعة، وهذا أمر طبيعي على أية حال، فما الذي أسعد بعضهم قليلاً وأثار غضب بعضهم الآخر كثيراً؟... وكيف يمكن النظر إلى فحوى الخلاصات والنتائج الختامية التي توصل إليها فريق جنكينز الذي جاب المنطقة طولاً وعرضاً في مسعى للوقوف على “القول الفصل” في الموضوع؟

التقرير تحدث عن “نزعات متطرفة وعنفية” تتبدى في خطاب التنظيم وممارساته وتقع في قلب مرجعياته الفكرية والفقهية ... بيد أنه امتنع عن التوصية بإدراجه في لوائح المنظمات الإرهابية السوداء ... أيد المزاعم بلجوء الجماعة إلى العنف والاغتيال لتحقيق أغراضٍ سياسية منذ زمن مؤسسها حسن البنا، وتوقف عند “النزعات التكفيرية” لسيد قطب، متأثراً بتعاليم أبي الأعلى المودودي، وأخذ على الجماعة أنها تمالئ الإرهاب ولا تتصدى له، بل وأشار إلى “روابط غامضة” بين الجماعة والحركات الإرهابية، وعدّ الانتساب إليها أو التأثر بفلسفتها وسياساتها، مؤشراً محتملاً على “التطرف” .... عند هذا الحد، غضب الإخوان وأصدقاؤهم، وفرحت أنظمة عربية عديدة وتيارات مناهضة للإخوان، لما ورد في التقرير.

لكن في المقابل، فإن امتناع التقرير، ومن ثم الحكومة البريطانية، عن وسم الجماعة بالإرهاب، وملاحقتها على هذا الأساس، بل وإحجامها عن اتخاذ إجراءات لإغلاق “لندن ستان” في وجه نشطائها وشيوخها والبنى التحتية التي تقف على رأسها في بريطانيا، أفرح الإخوان وأصدقاءهم بلا شك، وأغضب في المقابل، عواصم عربية عديدة، كانت تنتظر إلى تنحاز بريطانيا إلى وجهة نظهرهم من الإخوان، وتحديداً القاهرة المشتبكة في حرب مفتوحة مع الإخوان، وأبو ظبي التي تزعمت وما تزال، حملات واسعة لـ”شيطنة” الجماعة وحظرها، وإدراجها في القوائم السوداء إلى جانب “داعش” و”النصرة”، وثمة أخرون من دون هاتين العاصمتين، ساءهم امتناع التقرير والحكومة البريطانيين على وصف الجماعة بالإرهابية.

رسمياً، رحبت القاهرة بالتقرير، ورأت أنه ينتصر لوجهة نظرها، وطالبت دول العالم بأن تحذو حذو بريطانيا، على الرغم من أنها تركت لأذرعة النظام الإعلام، فسحة واسعة للحديث عن نواقصه ونواقضه ... هنا تتعين الإشارة إلى ضرورة أن تحذو القاهرة حذو لندن، في تقديم قراءة أكثر توازناً واتزاناً حيال هذه الجماعة من تلك القراءة المعتمدة من قبل مؤسسات صنع القرار السياسي والأمني في مصر ... الإخوان كجماعة وبالمجمل، ليسوا جماعة إرهابية، لكنها تتكشف عن “نزعات تطرف”، وتحرص على البقاء في “المساحة الرمادية” من الإرهاب، وهي بين حين وآخر، ومن ساحة إلى أخرى، تمارس أشكالأ متفاوتة من التطرف العنيف (الإرهاب)، ولديها مدارس فكرية وسياسية أميل للتكفير، والأهم أنها لم تقم بأية مراجعة نقدية لتراثها الفكري، الذي يحتمل الحديث عن “جاهلية الدولة والمجتمع”، ويحض على التطرف والغلو، ويبرر الإرهاب، إن لم نقل يدعو إليه.

لا يكفي أن تقول الجماعة، أنها باتت تتبنى اليوم، خطاباً مدنياً ديمقراطياً ذي مرجعية إسلامية، وأن تكتفي بذلك، أو أن تظل على عادتها في “تلقين” الأجيال الجديدة من نشطائها بتعاليم قطب التي تتناقض تماماً مع أية دعوة مدنية وديمقراطية ... كان يتعين على الجماعة (ولا يزال)، إن تعيد إنتاج خطاباً فكرياً – فقهياً، ناقداً لتلك المدارس الفكرية، ومتجاوزاً لها، ومُخلِصاً في مسعاه للتخلص من إرثها في إشاعة التفكير والغلو وإلغاء الآخر.

في ظني أن التقرير البريطاني وملاحظات كاميرون عليه، إنما يتوفران على قراءة  أكثر موضعية، من جميع القراءات الرسمية العربية لظاهرة الإخوان وخطابها وموقعها ... ولقد تحاشى التقرير الإفراط في “شيطنة” الجماعة كما تفعل عواصم وتيارات فكرية وسياسية عربية عديدة، أو التفريط بأي من القيم والمبادئ التي يتعين عليها إدماجها في خطابها الفكري – الفقهي – السياسي كما تفعل عواصم عربية وإقليمية أخرى مسنودة بشيوخ ومفكرين علمانيين، لتكون الجماعة شريكاً فاعلاً في قيادة التحول نحو الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي، ولكي تتخلى مرة وإلى الأبد، عن الفهم “الأداتي” للديمقراطية، بوصفها وسيلة لـ “عدّ الرؤوس” للوصول إلى السلطة، و”التمكين” استتباعاً، وليس بوصفها ثقافة عامة ونمط عيش وحياة ومنظومة حقوق وحريات، لـ”الآخر” قبل”الأنا”.

ولو أن نظام المشير عبد الفتاح السيسي، انتهج سياسة متلاقية مع خلاصات التقرير البريطاني وتوصياته، لما وصل الحال بمصر إلى ما وصل إليه، ولأمكن تشجيع الحوار داخل الجماعة من جهة، وبينها وبين المكونات الأخرى من جهة ثانية، ولأمكن فَرزْ غثها عن سمينها، وعَزلْ التيارات والمدارس القطبية الأكثر تشدداً في أوساطها، وتشجيع أصحاب المواقف “المعتدلة” وأنصار الانخراط الجدي في العملية السياسية.

لكن الميل لسد طريق التحولات الديمقراطية، والتوجه لإعادة انتاج “الدولة العميقة” و”عسكرة” الحياة السياسية والمدنية، لم يكن ليسمح بتبني هذه المقاربة، لا مع جماعة الإخوان ولا مع غيرها من قوى الحراك الشعبي والشبابي الذي فجّر ثورتي يناير ويونيو، بدلالة ما شهدناه خلال العامين الفائتين، من انتكاسات لمسار التحول الديمقراطي وتراجعات حادة عن مكتسبات الثورتين، وتفشي “الخيار الأمني”، وانزلاق مصر إلى أتون حرب مع الإرهاب، نعرف متى بدأت بيد أننا لا نعرف متى ستنتهي أو كيف.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المقاربة البريطانية للجماعة الإخوانية المقاربة البريطانية للجماعة الإخوانية



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab