تجـــربــة فـــي «ضـيـــق الأفــــق»

تجـــربــة فـــي «ضـيـــق الأفــــق»

تجـــربــة فـــي «ضـيـــق الأفــــق»

 عمان اليوم -

تجـــربــة فـــي «ضـيـــق الأفــــق»

عريب الرنتاوي

كان يمكن لمؤتمر الرياض للمعارضة السورية، وبقليل من “الحكمة” و”الحنكة”، أن يتفادى الكثير مما تعرض، ويتعرض له من ضغوط وعمليات تقزيم وتهميش، لو أنه قبل بإدماج بعض مكونات المعارضة الأساسية في صفوفه، وانفتح على مرجعيات المعارضة وأدبياتها، لصياغة بعض الرؤى والقواسم المشتركة، التي تصلح أرضية لتشكيل وفد موحد، وصياغة مرجعية مشتركة للتفاوض مع وفد النظام... يومها قلنا: إن توحيد المعارضات السورية، بحاجة لمظلة أممية، وعاصمة حاضنة محايدة، ووسيط نزيه، لكن الصراع على المعارضة السورية، وهو صراع على مستقبل سوريا، غيّب صوت العقل والحكمة، وأفضى إلى تكريس انقسامات المعارضة بدل توحيدها.

الإصرار على أكل الكعكة كلها، والاستحواذ على “جلد الدب قبل اصطياده”، جعل المعارضة المؤتلفة تحت راية مؤتمر الرياض، عرضة لسهام النقد والضغوط، ومن الحلفاء قبل الخصوم، من واشنطن ونيويورك، قبل طهران ودمشق وموسكو ... إنه نموذج على “سوء إدارة” عميق، ونظرة قاصرة للمشهد السوري وما يحيط به من تعقيدات، إن لم نقل إنه تعبير عن “ضيق أفق” مقيم... اللهم إلا إذا كان انعقاد مؤتمر الرياض على النحو الذي تم عليه، واختيار الهيئة المشرفة والوفد التفاوضية، بالطريقة التي تم بها، إنما كانا يعكسان رغبة هذا الطرف، في نسف خيار جنيف 3 من داخله، ورسم خط النهاية للمسار التفاوضي، قبل الانطلاق من خط البداية.

كان يمكن اختيار رئيس للوفد وكبير للمفاوضين وغيرهما، من خارج دائرة العناصر الاستفزازية، التي يصعب حتى على حلفاء المعارضة حملهم على أكتافهم، وتسويقهم كمدافعين عن سوريا الحرة الديمقراطية التعددية، وكمنافحين عن حقوق مختلف أقلياتها ومكوناتها ... كان يتعين انتقاء عناصر الوفد الجالسين في المقاعد الأمامية، من غير دائرة المتهمين بالإرهاب، وغالباً بالإجرام، مثل جماعة “جيش الإسلام” في غوطة دمشق الشرقية ... لكن نظرية “من ليس معنا فهو ضدنا”، أعمت أصحابها على ما يبدو، وجعلت منهم أعداء لأنفسهم، وهذا ما حصل في تجربة تشكيل الوفد وما أعقبها من سجال إقليمي دولي ساخن.

ديمستورا، الارستقراطي النبيل، نصير المرأة، يريد أن يرى في وفد المعارضة السورية، مشاركة نسائية، لكأن الرجل لا يعرف مع من يتحدث، فثمة في مواقع القيادة في هذا الوفد، من يتوقف إيمانه بالتعددية، عند حدود “تعدد الزيجات والزوجات”، ومن يشاطر “داعش” نظرتها في “جواز السبي” و”الغنائم” و”ما ملكت أيمانكم” ... هؤلاء قدموا أفضل خدمة، لخصومهم من المعارضين السوريين الآخرين، الذي سيذهبون إلى جنيف، بخطاب يفهمه العالم، ولا يشعر بـ “الغثيان” و”الرغبة بالتقيؤ” حين يصغي لبعض المفردات داعشية الطراز.

ماذا كانت نتيجة استعجال الشيء قبل أوانه، غير العقاب بحرمانه؟ ... نعم، لقد عوقب وفد الرياض، بنزع صفة الوحدانية عنه في تمثيل المعارضة السورية، واضطر ديمستورا للتشدد في استرداد التفويض الذي مُنح وليس لغيره من دول الإقليم، بتشكيل وفد المعارضة السورية، مستلاً سيف معايير فيينا ونيويورك ... وعند هذه النقطة، وعندها بالذات، بات واضحاً أن جون كيري، سيتحدث في الرياض بـ”لسان روسي مبين”، وسيستخدم تهديدات زميله سيرغي لافروف، كسيف للضغط على المعارضة ورعاتها، والتهديد بما يملك من ضغوط من أجل دفع مسار جنيف 3 إلى الأمام، وهذا ما حصل على أية حال.

حتى كتابة هذه السطور، لم نعرف ما الذي انتهت إليه مشاورات المعارضة في الرياض، مع بعضها البعض، وبعض رعاتها العرب والإقليميين، ولم نعرف كذلك من الذين وجهت إليهم، كتب الدعوة لجنيف ممهورة بتوقيع المبعوث الأممي ... ولكننا شهدنا على “براءة” معارضة الداخل من مؤتمر الرياض، خصوصاً بعد التشكيلات التي استبعدتها والبيانات التي تعارضت مع ما درجت عليه من مواقف ... كما نشهد على تشكل وفد ثانٍ للمعارضة، موزع بين مؤتمر القاهرة والإدارة الذاتية الكردية، ومؤتمر موسكو وعديد من الشخصيات الوطنية المعارضة المستقلة.

والحقيقة أننا كنا ذكرنا في مقال سابق، وقبيل زيارة كيري الأخيرة للرياض، أن واشنطن ترى في بعض المعارضات من خارج مؤتمر الرياض، حلفاء لها، تأنس لهم وتفضلهم على كثيرٍ من الفصائل والكتائب والشخصيات المنضوية تحت راية مؤتمر الرياض ... وقلنا إن واشنطن قد تلجأ للعب بورقة التشدد الروسي من أجل تدوير الزوايا الحادة في مواقف ائتلاف الرياض، وأنها لن تصغي لصرخات أنقرة المحذرة من مغبة دعوة “الإرهابيين الأكراد” إلى جنيف ... وكان يتعين على معارضة مؤتمر الرياض، أن ترى ذلك، قبلنا وأوضح منا، لكنها لم تفعل، وظلت سادرةً في غيّها، إلى أن انتهى بها المطاف، في الزاوية الحرجة، مهددة بفقدان “الوكالة الحصرية” عن تمثيل المعارضات السورية.

إنها “تجربة في ضيق الأفق”، تعكس من جهة ضيق هذه المعارضة بالتعددية السورية، حتى في الإطار المعارض، وتنذر من جهة أخرى، بأسوأ المآلات لمسار التفاوض بين النظام والمعارضة، فيما لو ترك أمر التمثيل والتفاوض، لهؤلاء، ولهم وحدهم فقط.

omantoday

GMT 05:38 2017 الخميس ,25 أيار / مايو

هل سيحارب ترامب حقا الإرهاب؟

GMT 05:11 2017 الثلاثاء ,23 أيار / مايو

القول الفصل فى قمة الرياض

GMT 06:03 2016 الأحد ,24 إبريل / نيسان

وهكذا أخطأ وفد مؤتمر الرياض!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجـــربــة فـــي «ضـيـــق الأفــــق» تجـــربــة فـــي «ضـيـــق الأفــــق»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab