تركيا بين «رقمين» ومرحلتين

تركيا بين «رقمين» ومرحلتين

تركيا بين «رقمين» ومرحلتين

 عمان اليوم -

تركيا بين «رقمين» ومرحلتين

عريب الرنتاوي

مُنيت أنقرة بنكسة دبلوماسية كبيرة ومفاجئة، عندما أخفقت في الحصول على معقد في مجلس الأمن الدولي، النكسة لم تتجل فقط في عدم الوصول إلى أعلى قمة المنتظم الدولي فحسب، بل وفي العدد المتواضع من الأصوات الذي تحصلت عليه الدولة الإقليمية الكبرى، صاحبة الطموحات الزعاماتية في الإقليم، إذ لم تحصل على أكثر من ستين صوتاً، في حين فازت اسبانيا بالمقعد بأكثر من ضعف هذه الأصوات 132 صوتا، وفنزويلا بثلاثة أضعافها: 181 صوتاً.

آخر مرة احتلت فيها تركيا مقعداً في المجلس المذكور، كانت عامي 2009– 2010، يومها حصلت أنقرة على 151 صوتاً، ويومها كان “الأنموذج التركي” في ذروة صعوده وتألقه، داخلياً بالطفرة الاقتصادية المصحوبة باقتراب غير مسبوق من “معايير كوبنهاجن” لعضوية الاتحاد الأوروبي، وخارجياً بسياسة “صفر مشاكل” و”القوة الناعمة” والانفتاح على مختلف العواصم والقارات، وإحصاءات أحمد داود أوغلو عن أعداد سفراته لكل عاصمة من عواصم المنطقة، وعشرات ألوف الأميال التي يقطعها شهراً بعد آخر، لتوسيع شبكة علاقات بلاده مع العالم.

اليوم تبدو الصورة مغايرة تماماً، فالعالم أدرك حجم التغيير الذي طرأ على السياستين الداخلية والخارجية التركيتين، وقرر المجتمع الدولي في نيويورك على ما يبدو، “حجب الثقة” عن أنقرة، التي قامرت بنموذجها الخاص، وانخرطت في سياسات المنطقة من أسوأ بواباتها: مصادرة الحريات، ضرب استقلالية القضاء، ملاحقة الإعلام والإعلاميين، الانخراط في مشاريع “أسلمة الدولة والمجتمع”، خطاب مذهبي قسّم تركيا والإقليم وفقا لخطوط المذاهب والطوائف، عودة الحرب الأهلية بعد ازدهار العملية السياسية مع الأكراد، إجماع دولي على اتهام أنقرة بدعم “داعش” وتباين حول أشكال هذا الدعم وحدوده وأهدافه، خطاب عُصابي متشنج، يطفح بكثير من الاستعلائية والمكابرة والعناد ... مواقف من الأزمات في سوريا والعراق ومصر نجحت في تجنيد مروحة واسعة من الخصوم بدل تصفير قائمة الأعداء.

إن كان ثمة من دلالة لنتائج المعركة على معقد في مجلس الأمن، فهي أن تركيا لم تعد تلك “التجربة” التي يممنا وجوهنا شطرها ذات يوم لتعلم دروسها وخبراتها ... القطار التركي خرج عن سكته وضل طريقه، والعد العكسي لتجربة “العدالة والتنمية” بدأ مع اندلاع شرارات الربيع العربي، الذي رأت فيه أنقرة، سانحة لتعزيز زعامتها على المنطقة، حتى وإن كانت الطريق إلى ذلك، تمر عبر “تحالف استراتيجي” مع فريق أو فصيل، في مواجهة بقية المكونات، وحتى إن كان إشهار “الهوية المذهبية” هو الوسيلة للعب على وتر الأغلبية الشعبوية في الإقليم.

لطالما هاجمت أنقرة منتقديها على ألسنة كثير من الناطقين باسم الحزب الحاكم ... كل من ينتقد السياسة التركية، هو إما “بوق لنظام الأسد” أو عميل للمالكي، أو “قومجي” عربي، لا يكنّ وداً لتركيا ... كاتب هذه السطور اتهم بـ “القومجية”، لكأن المطلوب من المثقف العربي أن يكون “طورانياً” تركياً حتى ترضى عنه الدوائر التركية ... علماً بأننا كنّا أول مَن رحب بالتقارب التركي – السوري والتركي العراقي، وبتجربة حزب العدالة والتنمية، وأول من استضاف قادته ومفكريه إلى منتديات فكرية في المنطقة، وبعيد وصوله بأشهر للسلطة، كما كنّا من بين من شجع إسلاميي المنطقة والعالم العربي، إلى التدقيق والتعلم من “دروس التجربة التركية”، ونظمنا لهذا الغرض العديد من الأنشطة في كل من عمان وبيروت والقاهرة وأنقرة وإسطنبول.

نتائج التصويت على عضوية تركيا في مجلس الأمن، يجب أن تقرأها أنقرة على أنها تصويت عالمي على التبدل الذي طرأ على سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم خلال السنوات الأربع الفائتة، لا بوصفها مؤامرة على تركيا، كما قد يحلو للرئيس رجب طيب أردوغان أن يفسر كل ما تواجه بلاده، من تحديات وانتقادات ... نتائج هذا التصويت، تعكس تراجع مكانة في الإقليم وعلى الساحة الدولية، والناجمة عن خروج تركيا عن قواعد سياستيها الداخلية والخارجية التي صاحبت صعود الحزب وزعامته الكارزمية، التي قلنا فيها أكثر من مرة، أنها باتت عبئاً على تركيا بدل أن تكون ذخراً لها.

ولا يجب أن يخطئ أحدٌ في تفسير فوز الحزب وزعامته في الانتخابات المتعاقبة على أنها دليل على صحة سياساته ومواقفه، جميع مواقفه وسياساته، ربما يكون النجاح الاقتصادي هو سبب مهم لهذا الفوز المتكرر، لكنه فوز مصحوب بتفاقم حالة الاستقطاب داخل البلاد، وانتعاش الهويات الثانوية على حساب الهوية القومية الجامعية، وتفاقم المسألة الكردية وعودة الحرب الساخنة بين الأتراك والأكراد على خلفية ما يجري في سوريا والعراق، و”الصحوة العلوية” ... وليس المهم أن يأتي الحزب أو الزعيم بنصف أو حتى ثلثي الأصوات الناخبة... فالأهم، ألا يشعر النصف الآخر أو الثلث الآخر من المجتمع، بأن من وصل إلى السلطة، هو عدوٌ لهم، المهم ان تنتهي الانقسامات السياسية الانتخابية عند لحظة إعلان النتائج، لا أن تتحول إلى انقسامات مذهبية وقومية مستدامة، قد تعصف بالهوية والدولة والكيان.

والمؤسف أنه في الوقت في الذي يكشف فيه كثير من المفكرين والمثقفين الأتراك، عن إدراك عميق لما تواجهه تركيا منذ أربع سنوات، إلا أن حالة الاستقطاب التي تعيشها البلاد، تحد من تأثير أفكار هؤلاء وملاحظاتهم، وسط قناعة متزايدة، بأنه لا فرصة حقيقية لإجراء مراجعات للتجربة والسياسات في ظل هيمنة رجب طيب أردوغان على مقاليد الحزب والزعامة والرئاسة والحكومة، فالرجل بطبيعته الشخصية، ليس من النوع الذي يعترف بالخطأ أو يتحلى بكثير من المرونة؛ ما يعني أن تركيا ستعاني حتى إشعار آخر، من النتائج الضارة للسلطوية الجديدة، وحكم الفرد الذي أكل الحزب وحلّ محله.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا بين «رقمين» ومرحلتين تركيا بين «رقمين» ومرحلتين



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab