حـديـث «الأقـلـمـة»

حـديـث «الأقـلـمـة»

حـديـث «الأقـلـمـة»

 عمان اليوم -

حـديـث «الأقـلـمـة»

عريب الرنتاوي

خطر «الأقلمة» بدأ يتفشى في الجسد العربي... والمقصود بـ «الأقلمة» هنا، ليس ذلك النوع من أنظمة الحكم اللامركزية»، التي تتوزع فيها السلطة والثروة بين المركز والأطراف بأقدار متناغمة، وتعد من منظور العلوم السياسية، درجة متقدمة، في سلم تطور أنظمة الحكم الديمقراطية في العالم المعاصر ... «الأقلمة» في الشرط العربي القائم، هي طريق شديد الانحدار، نحو القسمة والتقسيم، وبوابة لحروب داحس والغبراء بين إمارات وممالك فاشلة وفاسدة وعدوانية.
حديث «الأقلمة» لم يعد مندرجا في إطار «التمارين الذهبية» التي يُراد لها وبها، بناء سيناريوهات مُتخَّيلة للمستقبل، بل بات يدور عن حقائق أطلت برأسها الكريه، في غير دولة عربية، من مشارق الوطن العربي إلى مغاربه ... لبنان دشّن الطريق باعتماده «لا مركزية» موسعة، نظرياً وعملياً على الأرض ... العراق يحذو حذو لبنان، وهو مقبل على الأرجح، على التوزع إلى أقاليم، أقلها ثلاثة، الرئيس اليمني «الشرعي جداً»، سبق وأن قاتل لتقسيم بلاده إلى ستة أقاليم ملتبسة الحدود والتقسيمات والتوزيعات ... ليبيا تخضع لحكومتين وبرلمانيين شرعيين، أما الثالثة، فتمثلها إمارات داعش المرشحة لأن تصبح «باقية وتتمدد» إلى لم يجر إنفاذ الاتفاقات المبرمة، وإن لم يتحرك المجتمع الدولي ودول الجوار لتدارك ما أمكن تداركه.
السودان كان «الأجراء» على القسمة والتقسيم ... وقل سنوات خمس، وفيما كنا نستضيف مسؤولاً رفيع المستوى، انخراط في محادثات السلام مع أهل الجنوب، ليحدثنا عن يقينه الذي لا يأتيه الباطل عن يمين أو عن شمال، بتصويت الجنوبيين لصالح الوحدة، صُدمنا صبيحة التالي بنتائج الاستفتاء، وتصويت 98 بالمئة منهم على الانفصال.
حتى فلسطين، الرازحة تحت نير الاحتلال والاستيطان والعدوان والحصار، تعيش بدورها واقعاً «مؤقلماً» ... السلطة يمتد «نفوذها» على مساحات من الضفة، تتمدد حيناً وتتقلص في غالب الأحيان، فيما حماس، مكتفية بـ «إمارتها» في غزة، ومنها تتعهد بمتابعة تحرير فلسطين، وأحياناً الشعوب العربية من نير الطغاة والجنرالات والمستبدين (؟!).
أمس، خرج الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح بتصريحات من معقله في صنعاء العاصمة، يتعهد فيها برفض وإسقاط مشروع «الأقلمة» الذي يُعد لبلاده ... صالح نسي أو تناسى، أنه وإن ظل على رأس نظام مركزي يعم اليمن بشطريه، ولأزيد من ثلث قرن، إلا انه بسياساته حيال الجنوبيين والحوثيين، خصّب التربة لـ «أقلمة» اليمن، بل وتقسيمه، حتى أننا بتنا على يقين، بأن اليمن إما أن يظل موحداً بصيغة من الصيغ، أو سيتعرض للتشظي إلى أكثر من أربعة وربما خمسة «يمنات».
لكن ما لفت في تصريحات صالح، قوله إن كانت السعودية مصممة على «الأقلمة» في اليمن، فعليها أن تبدأ من الداخل السعودي، كأن تعلن نجران وجيزان وعسير، إقليماً واحداً، في إشارة لا تخفى مراميها ودلالاتها على أحد، وبصورة تذكرنا بالخرائط التي سبق لها أن انتشرت انتشار النار في الهشيم، ترسم وتتبع خطوط الطوائف والمذاهب في المنطقة، وتبني على الشيء مقتضاه، فترتفع عضوية الجامعة العربية، بين عشية وضحاها، إلى أزيد من ثلاثين دولة، أكثر من نصفها في اليمن وجزيرة العرب والخليج الأعلى.
والأخطر في أمر «الأقلمة» إنها لم تعد مجرد «نبوءات سوداء» تصدر عن زعيم محاصر أو باحث اشتد به الشطط، بل ثمة وجهة عامة في الدراسات والأبحاث التي تختص بالمنطقة ومآلاتها، تذهب في هذا الاتجاه، بل وترجحه، في ظل ارتفاع منسوب الدم المراق في الشوارع والميادين العربية.
إنها تأثيرات «مبدأ الدومينو»، ما بدأ بالأمس في العراق ومن قبله لبنان، ويتهدد سوريا واليمن وليبيا اليوم، سينتقل إلى مختلف المنطقة، بدءاً بالدول العربية، الأكثر ضعفاً وهشاشة وتماسكاً، بيد أنه لن يتوقف عندها، فإن تقرر لخرائط الإقليم أن ترتسم بما يتطابق مع خطوط التماس الطائفي والمذهبي والعرقي، فالتهديد سيطال دول الجوار الإقليمي لـ «الأمة العربية»، بما فيها تركيا وإيران، وإن في مرحلة تالية.
وليس مستبعداً إن قُدّر لهذا السيناريو / الكابوس أن يشق طريقه فوق الخرائب والجثث، أن تختفي دول عربية وازنة، وأن تستحضر دول صغيرة، حضارات غابرة من تاريخها ... ولن يكون كثيراً على بلد كالأردن، اشتهر بكونه الشقيق الأصغر المحاط بأشقاء كبار طامعين، أن يصبح «مركزا» تدور في فلكه «أجرام» نشأت على خطوط التماس المذهبي في جواره، أو جراء اندثار الحلم بدولة فلسطينية مستقلة.
مثل هذا السيناريو، سيئ للغاية، لكل الدول والمجتمعات في المنطقة وجوارها، بل هو سيئ للحد الذي سيجعل منه ضرباً من الخيال، وأقرب ما يكون للتمرين الذهني، لكن حالة الانحدار والتداعي التي تعيشها المنطقة، وعدم بلوغها بعد، قعر الهاوية التي انزلقت إليها، يجعل من «الفانتازيا المُتخيَّلة، أمراً قابلاً للتصديق، ومن ضمن دائرة الاحتمال والتوقع.

omantoday

GMT 14:27 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

«رب يوم بكيت منه...»

GMT 14:16 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

الميليشيات والاستحقاق

GMT 22:43 2024 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

الغباء..!

GMT 15:32 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منتظر الزيدى ولقاء فى بيروت

GMT 11:25 2023 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

استفتاء على اعتقال

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حـديـث «الأقـلـمـة» حـديـث «الأقـلـمـة»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab