طــوفــان الهجــرة من «بلد المنبع» إلى «بلدان المصب»

طــوفــان الهجــرة من «بلد المنبع» إلى «بلدان المصب»

طــوفــان الهجــرة من «بلد المنبع» إلى «بلدان المصب»

 عمان اليوم -

طــوفــان الهجــرة من «بلد المنبع» إلى «بلدان المصب»

عريب الرنتاوي

يبدو أن أوروبا قد أخذت على حين غرة بموجات اللاجئين التي تتدفق إليها من شرقها وغربها وجنوبها... فبعد اتخاذ سلسلة من الخطوات لسد “القناة الإيطالية” للهجرة، بلغت حد “إعلان الحرب” على المهربين والسماسرة وتجار الرقيق البشري الأبيض بزوارقهم وموانئهم وطرق إمدادهم ورعاتهم، فإذا بدول غرب البلقان، تتحول إلى “سرداب” كبير، يتدفق منه اللاجئون القادمون بعشرات الألوف من تركيا وغيرها من دول المتوسط.

وأحسب أن مصدر “دهشة” الأوروبيين أنما تكمن في الإصرار غير المحدود، الذي يبديه اللاجئون على الاستمرار في المحاولة للوصول إلى “دول المصب”، بعد أن ضاقت بهم السبل وتقطعت، في “دول المنبع”، دولهم الأصلية، وما ينطوي عليه هذا الإصرار، من استعداد للتضحية والمجازفة، فاللاجئ الذي يصعد مركباً “آيلاً للغرق” أو يمتطي “براد” شاحنة نقل الأطعمة، يدرك تمام الإدراك، أن فرصه في النجاة والوصول إلى بر الأمان، محدودة للغاية، بل ومحفوفة بخطر فقدان حياته أو حياة زوجته أو أي من أبنائه، لكنه مع ذلك، لا يتردد ولا “يقف ليفكر” قليلاً، ولنا أن نتخيل طبيعة المخاوف التي تعتمل في داخله، من العودة إلى الديار والتي لا توازيها سوى الآمال المعلقة على رحلة البحث عن مأوى جديد.

لقد تحول البحر المتوسط إلى مقبرة جماعية لألوف الجثث والأشلاء، لسوريين وعرب وأفارقة، قرروا امتطاء صهوة الموت بعيداً عن ساحات الحروب والقتل المجاني على الهوية والاختطاف والاغتصاب، دع عنك الجوع والعوز وقلة الحيلة وذات اليد، كما تحولت الحدود البرية المسيجة بالأسلاك الشائكة والجنود المدججين بقنابلهم الدخانية وكلابهم وخراطيم المياه الملوثة والملونة، في دول أوروبية عديدة، إلى ساحات للموت البطيء والذل والإذلال، تُمتهن فيها الكرامة الإنسانية، وتفقد الطفولة براءتها، وسنحتاج لسنوات إضافية حتى نتعرف على قصص هؤلاء والمعاناة التي كابدوها للوصول إلى تلك المناطق النائية، وأغلبهم لا يعرفون لغات تلك البلاد، وقد خرجوا من بلادهم أصلاً، صفر اليدين.

ثمة مواقف لا أخلاقية، تجتاح الخطاب الأوروبي هذه الأيام، والأمر لم يعد مقتصراً على تيارات اليمين المعادية للهجرة والأجانب، بل بات يشتمل على دول وحكومات ومنظمات أوروبية ... مواقف تنطوي على قدر من العنصرية والأنانية وازدواجية المعايير ... فلطالما أمطرنا هؤلاء بمواعظهم حول حقوق الإنسان، حقوق النساء والأطفال في زمن الحروب، حقوق المهاجرين قسرياً عن بلادهم وأوطانهم، حتى أننا في الأردن، ونحن البلد الصغير، الذي تجد فيه شقيقاً سورياً من بين كل خمسة مارة في الطريق، لم ننج من سهام اتهاماتهم ومواعظهم، هم الذي سقطوا في أول اختبار، فضاقوا ذرعاً بالإنسان المهاجر وحقوقه، فأخذوا يتوعدونه بالإبعاد، والفحص في هويته الدينية، فمن جاء دينه أو مذهبه على هوى الدولة المضيفة سمح له بالدخول، ومن تعارض يظل وافقاً عند الاسلاك الشائكة أو في معسكرات الاعتقال الجماعية.

مدينة المفرق الصغيرة، على كتف البادية الأردنية، تستضيف من اللاجئين أكثر مما استضافت حفنة من الدول الأوروبية الكبرى، وفيها يزيد عدد الوافدين عن عدد السكان الأصليين، ومع ذلك لا نرى مظاهر للعنصرية ولا نسمع أصواتاً تطالب بالإبعاد، ولا نشاهد من يدعو لإجراء فحص “دي أن إيه” مذهبي للقادمين من الجارة الشمالية ... صحيح أن هناك بعض مظاهر التذمر والضيق بسبب نقص الموارد والثمرات، لكن الصحيح أيضاً أنها لم ترق بعد خمس سنوات عجاف في عمر الأزمة السورية، إلى مثل ما نرى ونسمع ونقرأ من مواقف في أوروبا.

أوروبا اليوم، تدفع ثمن تلكؤها في التعامل مع الأزمة السورية وأزمات المنطقة، تدفع ثمن انقيادها للولايات المتحدة، التي تبعد أكثر من عشرة آلاف كيلومتر من سوريا... أوروبا تدفع اليوم، تدفع ثمن اعتقادها الخاطئ، بأنها تستطيع أن تظل بمنأى عن موجات الهجرة، إن هي وفرت تمويلاً محدوداً لعمليات استيعاب اللاجئين في الدول المحيطة بسوريا، خصوصاً الفقيرة منها والمحتاجة للمساعدات، كالأردن ولبنان ... أوروبا تدفع اليوم، ثمن “المواقف الرعناء” لبعض عواصمها الكبرى: لندن وباريس من الأزمة السورية، وقبول بقية العواصم بدور “الدوبلير” أو في أحسن الأحوال، دور”البطل الثاني” الذي يظهر عند غياب البطل الأول، أو يكتفي بتقديم العون والمساعدة، ولا يطالب بشراكة سياسية نشطة، كفيلة بوضع حدٍ لأزمات المنطقة وحروبها، وفي مقدمتها سوريا بالذات.

أوروبا تدفع اليوم، ثمن “صداقاتها” المكلفة في المنطقة، والتي حالت دون قيامها بدور ضاغط، لفتح حدود دول عربية ثرية، واسعة ومترامية الأطراف، لاستيعاب مزيد من لاجئي الأردن ولبنان، لتمكين جميع اللاجئين والنازحين السوريين في سوريا من العيش بكرامة في بلدهم أو على حدودها أو في الدول الثرية، لكن النفاق الأوروبي والمعايير المزدوجة، ألجمت عواصمها وعقدت ألسنتها، وأبقت أعينها متسمرة حول ما يحدث في الزعتري وجواره.

لن تنج أوروبا من موجات اللاجئين “الانتحاريين” الذي قرروا ركوب المصاعب وامتطاء البحر واستخدام كل وسيلة للوصول إلى مدنها وعواصمها، ولن تنج أوروبا من موجات الإرهاب الذي استوطن هذه المنطقة، وبات نقطة جذب واستقطاب لألوف الإرهابيين، وبدعم وتمويل وتسهيل من حلفاء أوروبا وأصدقائها... وسيظل الحال على هذا المنوال، إلى أن يقرر المجتمع الدولي، الأوروبي بخاصة، بأن أوان الحل السياسي للازمة السورية، قد أزف، وأنه لا بد من تدوير الزوايا الحادة في مواقف حلفاء أوروبا داعمي “المجاهدين” في سوريا، بأي وسيلة ومهما استتبع ذلك من نتائج وتداعيات.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طــوفــان الهجــرة من «بلد المنبع» إلى «بلدان المصب» طــوفــان الهجــرة من «بلد المنبع» إلى «بلدان المصب»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:44 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعه 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الجدي

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab