عريب الرنتاوي
أن تُتَّهم حماس، بالسعي لإشعال انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، فهذا أمر يمكن تصديقه، بل هو من باب «نافل القول»، والحركة على أية حال، لا تنفي عن نفسها مثل هذه التهمة، وثمة فصائل غيرها، وقطاع وازن من حركة فتح يشاطرها الرأي بضرورة تفجير «غضب الضفة» وتثويرها، حتى وإن اختلفت التقديرات والمواقف، بشأن شكل الانتفاضة القادمة وأدواتها الكفاحية، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات وانعكاسات.
لكن أن تتهم الحركة، بتدبير «مؤامرة» بليل بهيم، ضد السلطة والرئيس محمود عباس، بهدف الانقلاب عليهما والحلول محلّهما، فتلكم مسألة يصعب تصديقها، لا لأننا ننزه حماس عن الشغف بالسلطة أو السعي في سبيلها، بل لأن حماس تدرك مثل غيرها، إن لم يكن أكثر من غيرها، بأن أمراً كهذا مستحيل في شروط الضفة الغربية والظروف المحيطة بها ... فالسلطة والرئاسة، لا تمتلكان «سلطة» على الضفة، والاحتلال هو صاحب اليد العليا هناك، والانقلاب على السلطة والرئاسة، لا يمكن أن يتم تحت أي ظرف، اللهم إلا إذا توافر على «ضوء أخضر» إسرائيلي.
هل تدعم إسرائيل انقلاباً حمساوياً على السلطة والرئاسة؟ ... الجواب: كلا، بكل تأكيد ... والمؤكد كذلك أن إسرائيل لا تريد غزة ثانية، أكثر قوة وانتشاراً ومساحة، أن تنشأ في الضفة، وهي التي لا ترى غزة إلا في أسوأ كوابيسها ... ولو كانت إسرائيل متواطئة مع نظرية «الانقلاب / المؤامرة»، لما «تطوع»يورام كوهين رئيس «الشاباك» لاطلاع الرئيس عباس على تفاصيل المحاولة الانقلابية وخبايا المؤامرة التي تعدها حماس ضده، بتوجيه من صلاح العاروري، وعبر قنوات اتصال وأشخاص يتخذون من عمان مقراً لهم.
الوضع في الضفة اليوم، ليس شبيها بالوضع في غزة عام 2007 على الإطلاق ... في غزة، كانت السلطة تفرض سيطرة على الإدارة والأمن ومختلف مناحي الحياة تقريباً ... إسرائيل كانت تحيط بالقطاع من جهاته الخمس، براً وبحراً وجواً، بيد أنها كانت خارج القطاع، وليس في داخله ... الضفة اليوم، تكاد تكون ملعباً مفتوحاً للدوريات الإسرائيلية التي تستطيع أن تصل إلى غرفة نوم أي مسؤول فلسطيني مهما علا شأنه، وتعتقل من تشاء، ساعة تشاء، فما معنى الانقلاب على سلطة، ليس لديها من أمرها شيئاً ... انقلاب كهذا لن يرقى في أحسن أحواله، إلى مستوى انقلاب عزيز الأحدب على الرئيس سليمان فرنجية في العام 1976.
الرئيس أخذ معلومات «الشاباك» الإسرائيلي على محمل الجد و»التصديق»، وهنا نتساءل كيف يمكن الركون إلى يورام كوهين كمصدر للمعلومات، لماذا لم تؤخذ المعلومة الإسرائيلية بوصفها مشروع «فتنة» فلسطينية داخلية ... ألم تقل إسرائيل علناً بأنها تقف بقوة ضد المصالحة الفلسطينية؟ ... ألم يخيّر نتنياهو الرئيس الفلسطيني بين حماس أو السلام؟ ... ألم تعلن إسرائيل أن أحد أهداف حربها على غزة، كان تفكيك الوحدة وضرب المصالحة؟ ... ألم يقل الرئيس عباس شخصياً، بأن هدف الحرب هو ضرب حكومة الوفاق وقطع طريق المصالحة؟ ... بعد كل هذه المعطيات القاطعة في وضوحها، كيف يمكن تصديق المصدر الإسرائيلي، وكيف يمكن البناء على رواية مفخخة تفوح منها رائحة الفتنة والدسيسة؟
على أية حال، سيقول قائل، أن لحماس «سوابق» في التآمر على الرئيس ومحاولة اغتياله ... وقد يشار إلى إقدام الحركة على الانقلاب/ الحسم مع السلطة في أواسط حزيران عام 2007، والثانية ما عرف باسم «عملية النفق» الذي قيل إن هدفه اغتيال الرئيس عباس شخصياً ... والحقيقة أن الرواية الرسمية الفلسطينية حول ما جرى من حسم/انقلاب، طرأ عليها تعديل جوهري بعد اندلاع النزاع بين الرئيس ومحمد دحلان، حيث اتهم الأخير بالتآمر على عرفات وعباس وحماس سواء بسواء، وجر القطاع إلى ما آل إليه من صدام واقتتال ... فيما «واقعة النفق»، ما زالت مفتوحة، وتروج أوساط من فتح ذاتها، بأنها استخدمت في سياق حالة الاحتراب والاستقطاب بين الفريقين.
أياً يكن من أمر، فلسنا اليوم، وبالذات بعد حرب الـ 51 يوماً على غزة، بصدد التلاوم وتبادل الاتهامات في قضايا باتت وراء ظهورنا، ولقد رأينا العلاقة بين الرئيس وقادة حماس، تتحسن على نحو لافت للانتباه، برغم أحداث 2007 الدامية ... أما حكاية «المؤامرة بقصد الانقلاب» في الضفة، فإن التحقيقات التي تنشرها الصحف الإسرائيلي مع الأشخاص الذين قال الشاباك بأنهم متورطون في «المؤامرة» على السلطة، لا تشي بذلك على الإطلاق، بل وترجح كذب المعلومة التي نقلها رئيس الشاباك إلى الرئيس عباس... لتثبت إسرائيل للمرة الألف، بأنها «الفاسق» الذي جاء بنبأ، وعلينا أن نتبيّن قبل أن نصيب أنفسنا بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين.