ما بعد داعش المزيد من الشيء ذاته

"ما بعد داعش"... المزيد من الشيء ذاته

"ما بعد داعش"... المزيد من الشيء ذاته

 عمان اليوم -

ما بعد داعش المزيد من الشيء ذاته

عريب الرنتاوي

يخطئ من يظن أن القضاء على تنظيم “داعش”، دولة وخلافة، سيُطفئ جبهات القتال المشتعلة على أكثر من جبهة ومحور في المنطقة بعامة، وفي سوريا والعراق بخاصة ... ذلك أننا، وقبل أن نشرع في قتال التنظيم على نحو جدي، بدأنا نشهد إرهاصات معارك وحروب لاحقة، بين أطراف وقوى، يوحدها خطر التنظيم المشترك، ويفرقها إرث تاريخي – ديني – قومي ثقيل، متراكم وحافل بالخلافات.

الأكراد الذين وجودوا صعوبة في إخفاء مشاعر “الشماتة” بهزيمة الجيش العراقي في الموصول، لم يتواضعوا قليلاً إلا بعد أن اقترب داعش لمسافة عشرين كيلومتراً من عاصمة إقليميهم الناهضة، فأخذوا يطلقون صيحات الاستغاثة وطلب العون، وأبدوا “واقعية” في التعامل مع العاصمة المركزية، وانفتحوا على أشكال ومستويات معينة من التعاون بين المركز والإقليم.
لكنهم بعد فوزهم بأول جولة في الحرب مع داعش، وقبل أن تضع الحرب مع “دولة الخلافة” أوزارها بوقت طويل، أعلنوا نهاية “المادة 140” من الدستور العراقي، المتعلقة بمصير كركوك والمناطق المتنازع عليها، وحسموا الخلاف على هذه المناطق من جانب واحد، بل ولم يترددوا في القول، بأن البيشمركة منذورة فقط للدفاع عن الأراضي الكردية، وأنها لن تقاتل على أراضي “الغير”، لكأن بقية العراق، بات دولة أجنبية، لا يتعين اختراق سيادتها أو التفكير بنقل المعارك إلى أراضيها.

ما فعله الأكراد مع بقية العراقيين، يفعله اليوم الأزيديون مع الأكراد ... فهذه الطائفة قليلة العدد، التي تعرضت لأبشع أشكال القتل الجماعي والتنكيل والاغتصاب والسبي، لاذت بالإقليم طلباً للعون والحماية، ما أن تقدمت جحافل الخليفة البغدادي إلى تخوم جبالها وأوديتها ... ولكنها ما أن تمكنت بدعم البيشمركة والتحالف، من استعادة جبال سنجار، حتى أعلنتها منطقة أزيدية، ضاربة عرض الحائط بكل ما قدمته لها قيادة الإقليم وشعبها... ومثلما شكا الأكراد تاريخيا من محاولات “تعريبهم”، خرج علينا من بين الأزيديين من يتحدث عن مخاطر “تكريدهم”.

ما يحدث في العراق، يحدث اليوم بصورة أو بأخرى في سوريا، قوات النظام ووحدات الحماية الشعبية الكردية، تخوض معارك طاحنة في منطقة الحسكة، تتساقط فيها أعداد من القتلى والجرحى، في حين يخوض الأكراد السوريون معارك عنيفة وعنيدة مع داعش في كوباني وغيرها، فيما قوات النظام، تواجه صعوبات جدية في صد هجمات قوات الخلافة على محاور عدة، في دير الزير ومطار أبو الظهور وغيرها ... لكن يبدو أن كلا الفريقين المستهدفين بـ “داعش” فشلا في ضبط أعصابهما واستيعاب خلافاتها وقررا التساجل بالرصاص والمدافع.

لن نأتي على ذكر الكثير من خطوط التماس الطائفي والمذهبي والقومي في هذه المنطقة، واحتمالات انفجارها بعد التخلص من “التهديد المشترك” المتمثل في “داعش”، هذا إذا كان أمر الخلاص من هذا التنظيم ممكناً، أو ممكنا في المدى المنظور على أقل تقدير ... لكن يبدو أن حدة “صراع الهويات” ودرجة الاستقطاب والتوتر التي تطبع العلاقة بين مختلف المكونات والكيانات السياسية والاجتماعية والثقافية، لم تعد من النوع القابل للاحتواء والتأجيل، فهي تنفجر في أول سانحة لها، وتتخذ أشكالاً سياسية وإعلامية، وأحياناً عسكرية مباشرة، وتنذر بأن مرحلة ما بعد داعش، قد لا تكون أحسن حالاً من المراحل التي سبقتها أو صاحبتها.

نحن سنظل إذاً، إمام “المزيد من الشيء ذاته”، فعملية التفكك والتفكيك التي تفاعلت على إيقاع الانقسام المذهبي العريض بين سنة وشيعة، تتفشى في هذه المجتمعات، وتُدخل إلى “ديناميكياتها” مختلف العناصر والمكونات الأولى لبلداننا ومجتمعاتنا، والأرجح أننا ما زلنا بعيدين عن رؤية “قعر الهاوية” الذي تهوي إليه المنطقة بأسرها، برغم كل الكوارث والنكبات التي ألمّت بها.

لقد أدى الإخفاق في إنجاز هدف المشروع القومي الأول: بناء “دولة الأمة” من المحيط إلى الخليج في خمسينات القرن الفائت وستيناته، إلى تكريس “الدولة القطرية” العربية، أو دول ما بعد الاستقلالات الوطنية وفقاً لدارج التعبير ... بيد أن فشل هذه الدولة، في بناء علاقات صحيحة وغير مختلّة مع مواطنيها ومكوناتها، يقود اليوم إلى تقويض أسس هذه الدولة، ويتهدد بقاءها ووجودها كما هو حاصل في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومن قبل في السودان، والحبل على الجرار.

والمؤسف أنه لا يوجد هناك من يضمن أو ما يضمن، أن “دويلات المزق والشظايا” المتشكلة عن انهيار الدولة القطرية العربية، لن تواجه المزيد من التشظي والتمزق في قادمات الأيام، وفور أن يرفع عن عنقها، سيف الدولة المركزية والنظام القومي والحاكم المستبد ... فجنوب السودان على سبيل المثال، يعيش منذ انفصاله عن الشمال، في مسلسل متصل الحلقات من الحروب الأهلية، وثمة في أربيل والسليمانية من ينبئك بأن الإقليم يحفظ وحدته وسلامه الأهلي طالما ظل جزءا من العراق، وأن استقلاله الكامل عن بغداد، قد يفضي إلى صراعات لا تحمد عقباها ... وفي فلسطين، حيث لا انقسامات مذهبية أو قومية، وحيث الاحتلال هو عامل التوحيد الرئيس لشعب يرزح تحت نيره، أخفق الفلسطينيون في حفظ وحدة سلطتهم الهشة، كما أن مرور الزمن يكرس تباعد جناحي الكيان الناشئ، وما ينطبق على هذه النماذج، ينطبق بقدر أو آخر، على أية نماذج أخرى، طالما أن “الاقصاء والتهميش والاخضاع” هو القانون الناظم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين أغلبية وأقلية، وبين مكونات متنوعة في اللغة والدين والعرق والمنشأ.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد داعش المزيد من الشيء ذاته ما بعد داعش المزيد من الشيء ذاته



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab