عن العلاقة بين أضلاع مثلث الجوار الإقليمي

عن العلاقة بين أضلاع مثلث الجوار الإقليمي

عن العلاقة بين أضلاع مثلث الجوار الإقليمي

 عمان اليوم -

عن العلاقة بين أضلاع مثلث الجوار الإقليمي

بقلم :عريب الرنتاوي

تشترك إيران وتركيا في «النبرة» المرتفعة لخطابيهما المناهضين لإسرائيل... في الحالة الإيرانية، يصل الأمر حد التهديد بالإبادة و»الإزالة عن الخريطة»، فيما يبدو الخطاب في الحالة التركية، منضبطاً بحدود الرابع من حزيران... وفي كلتا الحالتين، تتجاوز الجارتان الإقليميتان للأمة العربية، سقوف جميع المواقف العربية الرسمية من دون استثناء... وهذا أمرٌ يسجل لهما، لا عليهما، أقله من منظور الرأي العام العربي، المحبط بأنباء الهرولة العربية نحو التطبيع مع إسرائيل، وحالة التخلي شبه الكاملة عن الشعب الفلسطيني في محنته غير المسبوقة منذ سبعين عاماً

في تفسير هذه الظاهرة، تبرز نظريتان، الأولى مؤدّاها، أن كلتا العاصمتين، إنما تفعلان ما تفعلان، لتحقيق أغراض خاصة، إن على مستوى شد العصب الديني للمواطنين عشية انتخابات مصيرية (تركيا)... أو في مسعى لكسب زعامة العالم الإسلامي كما في الحالتين معاً... وهذا أمرٌ، وإن كان ينطوي على قدر من الصحة، إلا أنه لا يقلل من شأن المواقف التي يجري إطلاقها من قبلهما

النظرية الثانية، تتجلى في «نزعة» اتهامية، تسود بعضاً من دوائر السياسة والإعلام والنخبة في العالم العربي، تنحو لإدانة العاصمتين لأنهما تقولان ما لا تفعلان»، يتميز خطاب المتحمسين لكل عاصمة من العاصمتين، إذ يندر أن تجد من متحمس لكلتيهما معاً، بالذهاب بعيداً في إشاعة الأوهام والإتجّار بها، وتبني رهانات متراكمة فوق رمال متحركة، لن تصمد طويلاً أمام المحطات والمنعطفات الأكثر خطورة وسخونة.

لن نساجل حملة مشاعل «النزعة» الأولى، إذ يكفي القول إنه «لا يحق لمن لا يتنصر للقضية الفلسطينية، لا قولاً ولا فعلاً، أن يتهم الآخرين بعدم اتباع أقوالهم بالأفعال»... وسنكتفي بمناقشة أصحاب الرهانات المبالغ بها، حتى لا يصابوا بالخيبة والخذلان، المفضيان حتماً لليأس والإحباط.

إيران تناصب تركيا العداء، وهي استثمرت وتستمر بـ «حروب الوكالة»، تحت شعارات ومسميات شتى، وهي مستعدة للمضي في عدائها لإسرائيل، حتى آخر فلسطيني أو لبناني أو سوري، طالما أن الحرب لا تجري على أرضها، وخطوطها الأمامية بعيدة عن حدودها مئات الكيلومترات... وفي المرة الوحيدة التي وقع فيها الاشتباك الإسرائيلي – الإيراني المباشر في سوريا وفوق أجوائها، جاءت «المبادرة» من قبل إسرائيل، وعلى نحو عدواني متكرر ومتغطرس، من دون أن ترقى ردة الفعل الإيرانية، إلى مستوى التحدي المطلوب، بل رأينا إيران تهرب إلى تكتيكات دفاعية وانسحابية، تارة بنفي استهداف مواقعها، مع أن القاصي والداني يعرف أنها استهدفت، وأن ضحايا إيرانيين قد وقعوا، وتارة ثانية، بالتأكيد المتكرر على رغبتها في تفادي المواجهة الشاملة والحرب المفتوحة، مع إن أحداً من قادتها، لم يتردد في التأكيد على أن حربا من هذا النوع، ستنتهي بهزيمة ماحقة لإسرائيل، ما يدفع كثيراٍ من أصدقاء إيران وخصومها على حد سواء، للتساؤل: إن كانت نتيجة الحرب المباشرة مضمونة إلى هذا الحد، فلماذا لا تستجيب إيران للتحدي الإسرائيلي، بل ولماذا لا تبادر هي بشن الحرب الشاملة والنهائية، مرة واحدة، فتستريح ونستريح؟

وثمة ما يشي بأن طهران التي تواجه تصعيداً غير مسبوق في المواقف العدائية الأمريكية والإسرائيلية، تجابه أيضاً، تخلياً روسياً غير مسبوق كذلك، أقله منذ اندلاع الأزمة السورية... وقد انعكس ذلك في ردود أفعالها على الضربات الإسرائيلية المتكررة لمواقعها، وفي «تجاوبها» على مضض من ترتيبات منطقة خفض التصعيد جنوب سوريا، وفي ذهاب حزب الله، إلى أبعد مديات الانخراط في اللعبة السياسية اللبنانية المحلية، ما يعني أن «مشروع المقاومة» باتت لديه أولويات أخرى في المرحلة المقبلة.

أما تركيا، فقد كان لافتاً أنه في ذروة التصعيد اللفظي غير المسبوق ضد إسرائيل، والصادر عن مختلف مستويات القيادة التركية، أقدام حزب العدالة والتنمية الحاكم، حزب الرئيس أردوغان، على إسقاط مشروع قانون تقدمت به المعارضة العلمانية، يقضي بقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل رداً على سلوكها الإجرامي في غزة، وموقف الإدارة الأمريكية من القدس... الأمر الذي قوبل بارتياح في إسرائيل، عبر عنه الكنيست الإسرائيل بـ «رد التحية بمثلها» عندما قرر إسقاط «مذابح الأرمن» عن جدول أعماله... واللافت للانتباه أن الضجيج السياسي والإعلامي التركي ضد إسرائيل، لم يؤثر على التبادلات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل، إذ توجهت ناقلة نفط تركية صبيحة اليوم التالي للقمة الإسلامية الاستثنائية التي دعا إليها الرئيس التركي، محملة بأكثر من مليون برميل إلى ميناء عسقلان، فيما يعج ميناء حيفا بالبضائع التركية، وتراهن أنقرة على العودة إلى معدلات السياحة الإسرائيلية لتركيا في العام 2008، والتي زادت عن نصف مليون سائح، وربما تطويرها وزيادة أعداد السائحين.

حتى بالعرف الدبلوماسي، لم تطرد أنقرة السفير الإسرائيلي لديها كما ورد في الإعلام العربي، بل طلبت إليه مغادرة مقر عمله مؤقتاً، وهذا إجراء أقل حدة، ولم تتصعد ردة الفعل التركية، إلا بعد أن قامت إسرائيل بطرد القنصل التركي العام من القدس، وطلبت إلى رعاياها عدم التوجه إلى تركيا، وهددت بإجراءات عقابية، من بينها «الاعتراف بمسؤولية العثمانيين الأتراك، عن مجازر الأرمن».

هذه الحقائق الموضوعية عن مواقف دولتين من دول جوارنا الإقليمي، نعرضها بهدف تفادي المبالغات الساذجة أو الوقوع في شباك الأوهام، والمؤكد أنها لا تبرر السلوك المتهافت للمتقاعسين العرب عن دعم فلسطين، والمتخاذلين في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والانحياز الأمريكي السافر لأكثر تيارات التطرف الديني والقومي في إسرائيل... والمؤكد أيضاَ، أنها لا تؤيد، بل وتُدين مدرسة في العمل السياسي والإعلامي العربي، لا وظيفة لها سوى التقاط هذه الجوانب في المواقف التركية والإيرانية، لتسويق التخاذل وتسويغ التهافت العربيين، والانقضاض على أي «نفس» مناهض لإسرائيل بوصفها مشروع حليف في مواجهة إيران كعدو أول، وتركيا كعدو ثانٍ للأمة، وتلكم لعمري أسوأ مدرسة وأسوأ مقاربة يمكن أن تصدر أي جهة عربية، رسمية كانت أم غير ذلك.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

omantoday

GMT 08:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

الحقد الاسود

GMT 10:20 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الشرطي الشاعر

GMT 01:50 2019 الأحد ,25 آب / أغسطس

عن «الحشد» و«الحزب»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن العلاقة بين أضلاع مثلث الجوار الإقليمي عن العلاقة بين أضلاع مثلث الجوار الإقليمي



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab