بقلم - عريب الرنتاوي
بإطلاقها حزمة من الصواريخ البالستية متوسطة المدى، صوب أهداف تتاخم مناطق النفوذ الأمريكي في شرق سوريا، تكون إيران قد اقتربت من «الخطوط الأمريكية الحمراء» من دون أن تتجاوزها ... الأمر الذي لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه تصعيداً في وتيرة «ردة الفعل» الإيرانية على «الأفعال» التي أقدمت عليها واشنطن ضدها منذ أن قررت الانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووي، وعاودت فرض عقوبات أشمل وأقسى على إيران.
وفقاً لمصادر متعددة، فإن الأهداف التي ضربتها الصواريخ الإيرانية، تعود لتنظيم «داعش»، في حين أن طهران اتهمت منظمة أهوازية انفصالية، بالمسؤولية التفجير الذي أوقع عشرات القتلى والجرحى في حادثة المنصة قبل أسبوعين ... وبصرف عمّا إذا كانت هناك صلة بين الحركة الأهوازية وداعش أم لا، فإنه يبدو واضحاً للعيان، أن طهران كانت تتحين الفرصة لفرد عضلاتها في مواجهة الولايات المتحدة التي ما انكفت تتحدث عن «تقليم أظافر إيران وتقليع أنيابها الإقليمية»، ووقف تطوير برنامجيها الصاروخي والنووي على حد سواء.
ما وقع في الأهواز، والرد الإيراني الصاروخي في الداخل السوري، يوفران «تمريناً» ، أو «بروفة» لما يمكن أن تكون أن تكون عليه المواجهة بين إيران وواشنطن في المرحلة المقبلة ... البلدان لن ينزلقا إلى قعر هاوية الحرب الشاملة، فلا أحد يريدها ولا أحد يرغب بدفع تكاليفها الباهظة ... والبلدان، أبعد ما يكونا عن مائدة التفاوض، المباشر أو عبر القنوات الخلفية، اللهم إلا حدثت المفاجأة، وأحدث ترامب استدارة كبرى مفاجئة، شبيهة بتلك التي أستحدثها في ملف شبه الجزيرة الكورية قبل أقل من عام، والتي انتهت بخوضه وكيم جون أون «تجربة في العشق».
بين حدي الحرب والسلام، ثمة مروحة واسعة من الخيارات والبدائل التي ستتمحور حولها المواجهة بين واشنطن وطهران ... في العراق على سبيل المثال، نجحت إيران في إسقاط مرشح واشنطن لرئاسة الحكومة المقبلة، الدكتور حيدر العبادي، وهي وإن كانت فشلت في فرض أحد مرشحيها الأثيرين: نوري المالكي أو فالح الفياض، إلا أن الحل الوسط الذي قد تنتهي إليه جهود اختيار الرئيس وتشكيل الحكومة، يؤشر إلى أن زمن التسويات والتوافقات بين اللاعبين الكبيرين قد انتهى، ليحل محله زمن «مكاسرة الإرادات».
وفي مقابل «تحالف شرق أوسطي»، أو ما يسمى بـ»الناتو العربي» الذي عمّدته واشنطن في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويضم دول مجموعة «6 + 2+1»، فإن إيران تعمل على توطيد علاقاتها بثلاثي أستانا، وهي في هذا السياق مستعدة لابتلاع بعض المواقف والممارسات التركية غير المرغوبة، على أمل الحافظ على صداقة أنقرة، وتطوير علاقتها مع موسكو، من بوابة التوتر في العلاقة بين الأخيرة وتل أبيب على خلفية إسقاط الطائرة «إيل 20» ... والأرجح أن إيران لن تكون بوارد الاستجابة للضغوط الأمريكية في سوريا والعراق ولبنان، وأن خيارها الأول، هو المواجهة و»عض الأصابع» و»مكاسرة الإرادات» إلى أن تنجلي غبار الفضائح والانتخابات في الولايات المتحدة، ليتضح بعدها ما إذا كان ترامب سيكمل ولايته أم أنه سينتخب إلى ولاية ثانية... يبدو وفقاً لمراقبين أن طهران قررت الأخذ بنصيحة جون كيري القائلة بوجوب الصبر على ترامب، لأنه لن يمكث طويلاً في مكتبه البيضاوي.
يعني ذلك شرق أوسطياً، أن الأزمات المفتوحة في الإقليم، من اليمن حتى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا، لن تعرف الهدوء والحلول أو التسويات النهائية ... ستحرص طهران على استنزاف واشنطن وحلفائها فوق هذه الساحات، وعرقلة برامجها ومشاريعها ووضع العصي في طرق حلفائها وأذرعها ... مقابل حرص أمريكي لخصته نيكي هيلي بقولها إن هدف نظام العقوبات الأمريكية ضد إيران، هو «خنقها» وتركيعها توطئة لعودتها إلى المفاوضات وفقاً لشروط الإدارة التي لخصها مايك بومبيو باثني عشر شرطا، يعد كل منها بمثابة إعلان القبول بالهزيمة أو توقيع على «صك إذعان».