الاستثمار في «داعش»

الاستثمار في «داعش»

الاستثمار في «داعش»

 عمان اليوم -

الاستثمار في «داعش»

بقلم : عريب الرنتاوي

تتكشف “الحرب الكونية الثالثة” على تنظيم “الدولة الإسلامية” عن مفارقة غريبة وعجيبة،ففي الوقت الذي يتحقق فيه إجماع العواصم الإقليمية والدولية على وصف التنظيم بالإرهاب، واعتباره “العدو المشترك” و”الأولوية الأولى” على جداول الأعمال، يندر أن تجد عاصمة واحدة، غير متورطة بهذا القدر أو ذاك، في محاولات “استثمار” التنظيم والحرب عليه، لتحقيق أهداف ومصالح، من خارج جداول الأعمال المشتركة للحرب على الإرهاب.

تركيا، هي النموذج الأوضح لهذا “الاستثمار الحرام”، و”حكايتها” مع داعش باتت أكثر من مفضوحة، يعرفها حلفاءها قبل خصومها، ولن تمّحي فصولها من ذاكرة الجيل، بفعل القصص الخرقاء عن نجاحات الجيش التركي في إلحاق خسائر جسيمة في صفوف التنظيم، إذ ما أن تُطلق المدفعية التركية بضعة قذائف”أو حجارة من سجّيل” باتجاه مواقع داعش في سوريا، حتى يتساقط مقاتلو التنظيم بالعشرات... هدف “الاستثمار” التركي في “داعش” يمكن تلخيصه بنقطتين اثنتين: تقويض النظام في دمشق، ومنع قيام كردي على امتداد الحدود التركية – السورية.

إيران، بدورها ليست بريئة من تهمة “الاستثمار” في داعش، فبدل أن تدعم مؤسسات الدولة العراقية وتعمل على تقويتها في مواجهة هجوم التنظيم الزاحف، ارتأت فكرة تدعيم “المليشيات المذهبية” التي باتت تشكل “جيشاً موازياً” للجيش النظامي، وهي سعت في فعل شيء مشابه في سوريا، وهذه على ما يبدو، استراتيجية إيرانية شاملة للتعامل مع أزمات المنطقة، ولتعزيز وإدامة مصالحها ونفوذها في هذه البلدان، من اليمن حتى لبنان، مروراً بسوريا والعراق وفلسطين، إيران لا تضع “بيضها” كله في سلة واحدة، حتى وإن كانت “السلة” بين يدي حليف قريب أو صديق موثوق.

الولايات المتحدة، “استثمرت” النفوذ المتزايد للتنظيم من أجل تحقيق أهداف سياسية في العراق وسوريا على حد سواء... في العراق، سعت لتجحيم رجالات إيران (المالكي أساساً)، وإعادة تركيب العملية السياسية المفككة، وفي سوريا، يدير البنتاغون حربه على داعش، على إيقاع ضبط التوازنات مع موسكو وحلفائها، وبصورة لا تمكن الأسد من بسط سيطرته على مناطق جديدة في سوريا، ولا تسمح له باستثمار انتصارات الميدانية التي تحققت بفعل التدخل العسكري الروسي ... سر التردد الأمريكي في اقتلاع داعش من سوريا والعراق، يكمن هنا بالذات.

روسيا التي دخلت الحرب في سوريا تحت شعار محاربة الإرهاب، و”داعش” أساساً، ارتأت أن مصالحها تقتضي التركيز على نوع واحدٍ منه، وأعني به الإرهاب المهدد لبقاء النظام و”سوريا المفيدة”، اما داعش، فالحرب عليها تأتي في المرتبة الثانية، لذا رأينا الضربات الجوية والصاروخية تنهمر بالجملة على أهداف للنصرة وحلفائها في أرياف اللاذقية وحمص وحلب، في الضربات لداعش في الرقة، جاءت بالمفرق.

حتى أكراد العراق، لم يخرجوا عن قاعدة “الاستثمار في داعش”، فواحدة من الأسباب التي أدت إلى إرجاء معركة الموصل، إصرار البرازاني على “قبض الثمن مسبقاً”قبل دخوله حرب تحرير الموصل ... آخر ما تسرب عن لقاءات جو بايدن مع رئيس الإقليم، أن الأخير طلب من الأول، تقسيم نينوى إلى عدة محافظة، منها محافظة سهل نينوى ذي الغالبية المسيحية التاريخية المفترضة، وأخرى لإقليم سنجار، حيث الإزيديون والمسيحيون يشكلون كتلة وازنة فيه، ودائماً على أمل ضمهما للإقليم.

ولبعض العرب حكاية قديمة متجددة، مع الاستثمار في هكذا صنف من الجماعات الإرهابية، من محاربة الغزو السوفياتي “الكافر” لأفغانستان، إلى “إعادة توجيه السلفية الجهادية” ضد إيران وهلالها الشيعي، وصولاً للتواطؤ على نشوء داعش وتمددها في الأنبار ونينوى، ومحاولة استثمارها في الحرب لكسر هذا الهلال في حلقته الدمشقية ... أما عن “الداعشيين” من خارج صفوف داعش، فالاستثمار ما زال مستمراً في جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام، وعشرات الكتائب والفصائل والألوية والفيالق، التي تنشط تحت أسماء مختلفة لمضمون سلفي متطرف واحد.

النظام السوري، الذي تسيطر داعش على خمسين بالمائة من مساحة أراضيه، لم يفطن إلا متأخراً لقتال التنظيم، طالما أن انتشاره ظل بعيداً عن جغرافيا “سوريا المفيدة”... قبل ذلك، لعب النظام بصورة احترافية بورقة “داعش” لابتزاز العالم، ووضعه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما داعش وإما النظام ... ولعب بهذه الورقة في مسعى دؤوب لـ “شيطنة” المعارضات السورية و”دعشنتها”، ودائماً بالرهان على أن العالم سيضيق ذرعاً بالتنظيم ذات يوم، وأن من الأجدى تركيز الجهد والطاقات لاستئصال المعارضين الذين قد يقبل بهم العالم ويتعايش معهم، وقد يشكلون تهديداً له أو بديلاً عنه، في أي مرحلة من مراحل تطور الأزمة السورية.

الخلاصة: لا أحد بريء من تهمة “الاستثمار” في “داعش”، مع أن الأطراف جميعها لا تكف عن “هجاء” التنظيم والتحذير من خطره الماحق، وإبداء الاستعداد لملاحقته حتى آخر معقل من معاقله الحصينة

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستثمار في «داعش» الاستثمار في «داعش»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab