من تجريم “التطبيع” إلى إدانة “المقاطعة”

من تجريم “التطبيع” إلى إدانة “المقاطعة”

من تجريم “التطبيع” إلى إدانة “المقاطعة”

 عمان اليوم -

من تجريم “التطبيع” إلى إدانة “المقاطعة”

بقلم : عريب الرنتاوي

ظل التطبيع الاقتصادي والتجاري والثقافي مجرماً من قبل الدول العربية، دع عنك التطبيع السياسي والتعاون الأمني، بيد أن هذا “التجريم” لم يمنع عواصم وأطرافا عربية من “التسلل” تحت جنح الظلام، لإقامة أنماط من العلاقات والاتصالات مع دولة الاحتلال والعنصرية، وقد بدأ ذلك مبكراً جداً، حتى قبل قيام إسرائيل، زمن العصابات الصهيونية التي صارت حكومة فيما بعد، واستمرت الحال بهذا الشكل أو ذاك بعد النكبة الفلسطينية.

المقاطعة العربية لإسرائيل بدأت بمعاقبة كل من يتعامل مع دولة الاحتلال من شركات ومؤسسات وأفراد، بيد أن قبضتها الحديدية أخذت بالتراخي، وأخذت الحكومات العربية بتقليص لائحة المستهدفين بإجراءاتها وقراراتها، لتقتصر على الشركات والمؤسسات الإسرائيلية بذاتها، قبل أن يمر مسار المقاطعة بمرحلة جديدة من “التفكك” إذ أجازت هذه الحكومات التعامل مع الشركات الإسرائيلية التي تستظل بشريك غربي، أو مع رأس المالي اليهودي – الإسرائيلي المستثمر في الخارج، وصولاً للقبول بطرف ثالث يتوسط المعادلة بين البائع والمشتري.

مع انطلاق مسار مدريد، وبالتحديد مع توقيع أوسلو ووادي عربة، ومن قبلهما كامب ديفيد، دخل مسار المقاطعة مرحلة الترنح والانهيار، بادرت دول عربية عديدة إلى فتح مكاتب تجارية لإسرائيل في عواصمها، ترفع العلم الإسرائيلي، وتطور مسار الزيارات المتبادلة والتعاون الأمن والتجاري، وصولاً للانتفاضة الثانية، حيث أغلقت أغلب هذه المكاتب، رسمياً على الأقل، فيما ظلت قنوات التواصل والتبادل على حالها.

خلال السنوات القليلة الماضية، ودائماً في سياق ثورات الربيع العربي، وتنامي المد الإيراني في المنطقة، بدأت الأصوات تتعالى داخل المنطقة العربية، تروج للعلاقة مع إسرائيل وتبررها، تارة لأن إيران هي العدو الأشد خطورة، وأخرى بحجة أن القضية الفلسطينية هي مجرد نزاع آخر في المنطقة، وليست قضية العرب المركزية الأولى، وأم القضايا في المنطقة، ولقد وجدت هذه الأصوات في المواقف والسياسات الفلسطينية، حجتها للقول بأننا لن نكون “كاثوليك أكثر من البابا”، وأننا نرتضي بما يرتضي به الفلسطينيون لأنفسهم، دونما تميز بين السلوك الاضطراري للسجين، وبين العلاقة الاختيارية مع إسرائيل المدفوعة أساساً بالرغبة في التزلف لواشنطن والتقرب من جماعة الضغط اليهودية النافذة في أروقة صنع القرار الأمريكي، حتى باتت مغازلة إسرائيل وتبرأة ساحتها، وعلى حساب الفلسطينيين وحقوقهم ومكانة قضيتهم، واحدة من أهم أوراق الاعتماد التي يتقدم بها القادة العرب (وليس سفراؤهم فقط) إلى البيت العالي في العاصمة الأمريكية.

تزامن الاحتدام في الصراع المذهبي –الجيوبوليتيكي الدائر في المنطقة، مع سقوط “برقع الحياء” عن كثير من الوجوه العربية والإسلامية ... بات الظهور علناً إلى جانب القادة والمفكرين ورجال الأمن الإسرائيليين في المنتديات والمحافل الدولية، أمراً مألوفاً، يدعو للفخر وليس للخجل... وباتت محاورة الجنرالات الإسرائيليين على أرض”هم” أمراً ينم عن بعد النظر وعمق البصيرة، وليس تزلفاً مذلاً يمارسه المهزوم أمام المنتصر ... وفيما استشعر البعض منهم، لبعض الوقت، حرجاً من هذه اللقاء والزيارات ونفى عنها أي طابع رسمي، إلا أن الأنباء الأخيرة من إسرائيل، و”الإسرائيلي ما بتنبلش في ثمه فوله”، تشي بزيارات أرفع شأناً وأكثر عمقاً.

كل هذا دفع نتنياهو وليبرمان للتباهي بأن الظاهر من جبل جليد العلاقة مع الأنظمة العربية السنية، أكبر بكثير من الجزء الغاطس من هذا الجبل ... والمؤكد أن المخفي من أمر العلاقة مع إسرائيل كان أعظماً ... إلى أن طلعت علينا الأصوات التي يندد أصحابها بالمقاطعة .

تزامن ذلك مع ارتفاع الرايات الإسرائيلية في مسيرات ومهرجانات الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، الأمر الذي قوبل باستهجان واسع ومُحق من قبل الرأي العام العربي، واستغله شوفينيون وإقليميون ومذهبيون عرب، للتنديد بـ “إسرائيل الثانية” التي يراد تدشينها في شمالي العراق، مع أننا لم نسمع الإدانة ذاتها، لما صدر عن عواصم عربية من أقوال وأفعال مماثلة، بل ولم نسمع منهم تنديداً أو اعتراضاً على سلوك شخصيات سياسية من أبناء جلدتهم، زارت إسرائيل وروجت للعلاقة معها، قبل سقوط نظام الرئيس صدام حسين وبعده، قبل انكسار المعارضة السورية المسلحة وبعدها ... لكأن التطبيع مع إسرائيل حرام على كرد العراق وحدهم، وحلال على الأعراب من كل جنس.

الموقف الرسمي العربي من التطبيع مع إسرائيل، يصاحب مساراً عربياً انهزامياً للتخلي عن مبادرة السلام المقررة في قمة بيروت، وميل رسمي جامح ومكتوم للقبول بالطلب الإسرائيلي خفض سقف المطالب الواردة في المبادرة، وبدء تنفيذها من آخرها، أي من الياء إلى الألف، وهو مسار أطل برأسه عشية قمة البحر الميت، ويتوج اليوم في نيويورك باللقاءات غير المسبوقة مع نتنياهو، ودائماً في سياق التجاوب مع مبادرة ترامب القائمة على فكرة “الإطار الإقليمي” لحل القضية الفلسطينية.

أما الخلاصة فهي أن من يقبل بقلب مبادرة السلام العربية رأساً على عقب، وأن يقرأها من آخرها لأولها، ليس مستبعداً منه أو عليه، أن ينتقل بخفة وتهافت، من “تجريم” التطبيع إلى إدانة “المقاطعة”.

omantoday

GMT 13:15 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

مَنْ ينبش كوابيس الفتنة ؟!!

GMT 08:11 2021 الأربعاء ,24 شباط / فبراير

الأردن و«حل الدولة الواحدة»

GMT 07:47 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

ما الأفضل لفتح: قائمة مـوحـدة أم قائمتان؟

GMT 07:42 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

«وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من تجريم “التطبيع” إلى إدانة “المقاطعة” من تجريم “التطبيع” إلى إدانة “المقاطعة”



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab