علمانيون في جلاليب «النصرة»

علمانيون في جلاليب «النصرة»

علمانيون في جلاليب «النصرة»

 عمان اليوم -

علمانيون في جلاليب «النصرة»

بقلم : عريب الرنتاوي

أن تنبري قوى وجماعات “إسلاموية”، أو عواصم عربية واقليمية، في مساعي “تسويق” جبهة النصرة، أو تسويغ تحولها إلى “جبهة فتح الشام”، فتلكم مسألة فيها نظر، على الرغم من النتائج الكارثية المترتبة على مساعي هؤلاء، بما فيها الاحتمال المرجح لـ “انقلاب السحر على الساحر”، كما حصل خلال السنوات الثلاثين الفائتة، مع شيوع ظاهرة “العائدون من أفغانستان” و”العائدون من غروزني” و”العائدون من سراييفو”، وكما يحصل على نحو متكرر، في سياقات الأزمة السورية ذاتها، مع تتالي عمليات “ابتلاع” و”هضم”، حتى لا نقول “تصفية” المعارضات السورية المعتدلة، المدربة والمسلحة والممولة من الولايات المتحدة، وتحول “النصرة” إلى بؤرة استقطاب لـ “المهاجرين” من “داعش”، وآخر هذه المجاميع، “جند الأقصى” التي نقلت بيعتها من البغدادي للجولاني بين عشية وضحاها.

لكن أن ينبري مثقفون وباحثون وأكاديميون، علمانيون/ ديمقراطيون/ ليبراليون/ مسيحيون ومسلمون، تلقوا علومهم في الغرب، ويعملون في جامعاته ومراكز أبحاثه “المرموقة”، إلى دعاة ومبشرين بضرورة التمييز بين “مدارس السلفية الجهادية المختلفة”، وتفضيل النصرة على “داعش”، والأخيرة على نظام الأسد، وإلى مروجين لـ “أحرار الشام” و”استقم بما أمرت” و”نور الدين زنكي” والإيغور الصينيون وغير ذلك من مجاميع تستمد أسماءها ونهجها وتفكيرها من الإناء ذاته، فتلكم مصيبة ما بعدها مصيبة، تفضح زيف ادعاءات هؤلاء الحداثية، وانتماءاتهم “العميقة” لمدارس التنوير المختلفة.

وإن كنت لست بصد تسمية هؤلاء بأسمائهم، حفظاً لتجربة في الصداقة والود، وتفادياً للوقوع في مستنقع “الشخصنة” و”التشهير، فإن القارئ العزيز والقارئة العزيزة، لن تعوزهم الفطنة للتأشير على هؤلاء، أو التعرف عليهم عند أول لقاء له بهم، في مقابلة على الشاشات المتكاثرة كالنبت الشيطاني أو في مقالة على الشبكة العنكبوتية التي غدت نافذتنا الرئيسة للمعرفة والمواكبة والمتابعة.

لن أجادل في صحة أو خطل مقارباتهم، فتلك مسألة لا تحتاج الدحض والتفنيد، لكن الأمر الأكثر أهمية من وجهة نظري، هو الوقوف عند الدوافع والمحركات، التي تدفع “أصحاب الياقات المُنشّاة” هؤلاء، إلى ارتداء الجلاليب القصيرة للسلفية الجهادية، والذود عنها، بوصفها ممارسة اعتقادية، تحتمل الاعتدال بأكثر مما تستبطن التطرف، وتنافح ذودا عن حقها في تولي زمام المبادرة والقيادة في “الثورة السورية”، بذريعة سخيفة مفادها أن بعض هؤلاء مغرر به، أو مكره على سلوك هذا الطريق، أو هارب من نار النظام الدكتاتوري إلى رمضاء “الجهاد” وراياته السوداء.

بعض هؤلاء، ماركسيون – لينينيون سوريون، اكلت سجون النظام من زهرة أعمارهم، وأسسوا لخطاب المجتمع المدني وانتفاضته المبكرة في سوريا، وكانوا سباقين في التحريض على الثورة ورفع لواءاتها المدنية – الديمقراطية ... منهم من انتهى إلى منافح صلب عن “النصرة”، ومنهم من لم يجد غضاضة في البحث عن قواسم مع المدرسة الوهابية في سوريا والإقليم، وثالث، ذهب إلى إسرائيل في رحلة البحث عن حلفاء، وعرض الجولان المحتل، مقابل قيام إسرائيل بدعم “المقاومة” وتأمينها بمناطق “حظر طيران” وغير ذلك.

آخرون، لبنانيون، حداثيون حتى النخاع وعلمانيون أقرب للمدرسة الفرنسية – اللائيكية، يوسعون دائرة البحث عن أنصار وحلفاء و”فرسان رهان” من داخل المدرسة الجهادية – السلفية، بعد أن أعياهم البحث عن شركاء أقوياء فاعلين من خارجها ... وبدأنا نستمع منهم لأطروحات مثيرة للشفقة، لم يقترب منها حتى صقور المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، ويعيدون وحدهم دون سواهم، خطاب الحرب الباردة ضد روسيا و”العدو الوجودي” في إيران، وتقديم المعركة من أجل دمشق على معركة الرقة.

مصريون، استثارتهم عودة “الدولة العميقة” و”حكم الجنرالات”، ومعهم في ذلك كل الحق، بعد أن اختُطفت ثورتان مجيدتان في مصر، لصالح عودة نظام مبارك في طبعة جديدة، غير منقحة وغير مزيدة، لا يكتفون بالاصطفاف إلى جانب التيارات “القطبية” في الإخوان المسلمين، بل ويروجون “للاتجاهات الجديدة” داخل النصرة والسلفية الجهادية ... وما ينطبق على هؤلاء، ينطبق على آخرين كثر.

نكاية بإيران وقوسها وهلالها و”حزب السلاح”، يمكن أن تقترح الاصطفاف خلف الجولاني وأن تبحث في مزايا “أبو مالك التلي” ... ونكاية بالأسد، يمكن أن تذهب بعيداً في الاستتباع لكل هذه المدارس التكفيرية ورعاتها في الإقليم، من حكومات واستخبارات .... وبالضد من السيسي و”حكم العسكر” يمكن أن تضرب صفحاً عن السلفية الجهادية، حتى وهي تعيث فساداً في سيناء والوادي، وتلحق بمصر ومستقبلها أفدح الأضرار والأخطار.

النكايات والاصطفافات المذهبية في هذا الإقليم المستقطب، لا يمكن أن تنتج مشروعاً حداثياً لبلدان المنطقة وشعوبها ومجتمعاتها، ومن يظن أن بمقدوره التعويل على هذه القوى، لإنجاز الشطر الأول من المهمة: إسقاط الخصوم، عليه أن يدرك تمام الإدراك، بأن الوقت لن يسعفه لإنجاز الشطر الثاني من المهمة: التأسيس لمرحلة التحول والانتقال الديمقراطي – المدني، فرصاصات هؤلاء في ظهور وصدور حلفاء الأمس، ستكون لهم بالمرصاد، تماماً مثلما فعلت بنظراء لهم في دول وتجارب سابقة، وستدفع دولهم ومجتمعاتهم أفدح الأثمان قبل أن تتمكن من استعادة عافيتها واستئناف طريقها من نقطة صفر أو ما دونها.

omantoday

GMT 13:15 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

مَنْ ينبش كوابيس الفتنة ؟!!

GMT 08:11 2021 الأربعاء ,24 شباط / فبراير

الأردن و«حل الدولة الواحدة»

GMT 07:47 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

ما الأفضل لفتح: قائمة مـوحـدة أم قائمتان؟

GMT 07:42 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

«وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علمانيون في جلاليب «النصرة» علمانيون في جلاليب «النصرة»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab