انطباعات من القمة

انطباعات من القمة

انطباعات من القمة

 عمان اليوم -

انطباعات من القمة

بقلم : عريب الرنتاوي

يحق للأردنيين الفخر بقدرة بلدهم على توفير أنجح تنظيم للقمة العربية، وبالشروط العربية الممكنة، والتي نعرفها جميعاً ولا تخفى على أحد ... فمن حيث الشكل والتنظيم، جرت ترتيبات القمة من استقبال الوفود حتى وداعها على أرفع المستويات وأرقاها، واستمعنا لإطراءات من الوفود المشاركة تشيد بدقة التنظيم وحسن الاستقبال وسلاسة الفعاليات وسهولة الإجراءات، كل ذلك من دون تفريط باعتبارات الأمن والسلامة، في لحظة شديدة الدقة والحساسية.

ومن حيث التغطية الإعلامية، كان الإنجاز مميزاً، تظافرت في صنعه جهود الديوان والحكومة والإعلام الرسمي والخاص والأهلي، بكافة صنوفه وأنواعه ... يكفي أن كل مواطن في العالم العربي والمغتربات، كان بمقدوره أن يتابع كافة تفاصيل القمة، وعلى الهواء مباشرة، ولحظة بلحظة، وبالطريقة التي يريدها، وعبر الأداة التي يستخدمها ... مثل هذه النقلة النوعية في التغطية، لم تتوفر للقمم السابقة، والحضور الإعلامي الكثيف للغاية، شهادة إضافية للأردن كذلك.

ومن حيث التجسير بين الأفرقاء، تحوّلت أروقة القمة وقاعاتها، إلى مكان مناسب للقاء القادة المتباعدين سياسيين، جرت مصالحة مصرية – سعودية، وجرت لقاءات بين أطراف مشتبكة بملفات عديدة، وأمكن للفرقاء المتصارعين في حروب الوكالة المندلعة في غير ساحة عربية، من التحلّق حول مائدة القمة المستديرة، من دون أن يشعر أي منهم بأي حرج من أي نوع، إذ رغم وجود الخلافات واستمرارها، اكتمل النصاب السياسي للقمة، وسجلت أعلى حضور للقادة والزعماء بين جميع القمم العربية التي عقدت في السنوات الست الفائتة.

أما من حيث مضمون القرارات والنتائج الختامية، فتلكم ليست مسؤولية الدولة المضيفة، مع أن الدول المضيفة تستطيع أن تلعب دوراً تجسيرياً أو تفتيتياً، وبمقدورها أن تقدم هذه القضية أو تلك على جدول أعمال القادة العرب، بهذا المعنى، يسجل لقمة عمان، أنها نجحت في إعادة بعض الألق للقضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية الأولى، سواء في البيان الختامي أو المقررات، وأحسب أن ذلك لم يكن بمحض الصدفة المحضة، بل جاء كثمرة جهود أردنية وفلسطينية منسقة، استفادت من المناخات الإقليمية والدولية التي أعقبت انتخاب دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية.

فلسطين خرجت من القمة بما تريد، أقله على المستوى اللفظي، وفي أضعف الإيمان، خرجت بالحد الأدنى مما تريد، المهم أن محاولات إعادة صياغة مرجعيات جديدة للتفاوض و”عملية السلام” قد اصطدمت بأبواب القمة الخشبية الصلبة، لكن ذلك لا يمنع من إبداء القلق من مغبة استئناف هذه المحاولات، غداة انفضاض عقد القمة، وعودة الملوك والرؤساء إلى عواصمهم ... تلك مسألة تتخطى الدولة المضيفة، وتتجاوز الأطر المترهلة للعمل العربي المشترك.

سوريا، الغائب – الحاضر في القمة، حرص الأردن على ألا يذهب بعيداً في لغة الاصطفافات والتحشيد، فهي قضية موضع انقسام بين القادة العرب، وهناك من كان يفضل حضور الأسد، مع أن ذلك سيحجب حضور آخرين، وهناك من كان يفضل حضور المعارضة، مع كل ارتدادات قرار من هذا النوع ... الأردن اختار – أحلى الأمرين – فأبقى المقعد شاغراً، مع أن كافة رموز الدولة السورية السيادية، كانت حاضرة في قاعة المؤتمر وخارجه وفي كل الطرقات والمنافذ المؤدية لقصر المؤتمرات، أسوة ببقية الدول العربية، سيما وأن سوريا دولة مؤسسة في النظام العربي ... لم يكن بإمكان الأردن فعل ما هو أفضل من ذلك، دون المقامرة بانفراط عقد القمة.

توافق القادة على بيان ختامي ومقررات باتت معروفة، والفضل في ذلك يعود لساعات العمل الشاق والطويل التي بذلها الأردن من أجل تجسير الفجوات والتقريب بين المواقف، لكن الأردن ليس بمقدوره أن يضمن التزام جميع الدول بما صدر وتقرر، ولا بمقدوره أن يحول دون قيام كل دولة بمفردها أو مجموعة من الدول، بفعل ما تشاء، وتقدم ما ترغب به من أولويات صبيحة اليوم التالي للقمة ... ولقد كنا شهوداً على الكلام المبثوث “ما بين سطور بعض الكلمات”، وراقبنا عن كثب “لغة الجسد” كما عبر عنها رؤساء وأعضاء بعض الوفود، وانشغلنا بإحصاء المقاعد الفارغة عند إلقاء هذه الكلمة أو تلك، وكان ذلك بمثابة إشارة لا تخطئوها العين، إلى استمرار الخلافات العربية البينية، داخل القمة وبعدها، وتلك مسألة تتخطى حدود مسؤوليات الدولة الراعية والمضيفة.

العراق حظي بدعم عربي نادر، لم يحظ بمثله في القمم الأخيرة، ويعود الفضل في ذلك إلى تضحيات الشعب العراقي في حربه على الإرهاب، ونجاحات الدولة العراقية في إلحاق الهزائم المتتالية بداعش، ولولا بعض “التلطيشات” التي تقرأ ما بين سطور بعض الكلمات، لأمكن القول، أن إجماعاً عربياً قد تحقق خلف العراق ونصرة له.

وكذا الحال بالنسبة لليبيا، إذ ما أن تم التوافق على البند الخاص بشركة النفط الليبية، وما رافقه من سجال ليبي – مصري، حتى بدا أن الأمر قد حسم، وأن بعض التعليقات والانتقادات اللاذعة، لم تكن كافية لتعكير صفو التوافق العربي حول المسألة الليبية، أقله تحت قبة القمة، أما بعد ذلك، فقد اعتدنا في العمل العربي المشترك، أن نمضي صبيحة اليوم التالي لاجتماعاتنا، وكأن كلام الليل يمحوه النهار.

أما الموقف من اليمن، قبل القمة – وربما بعدها –فسيظل محكوما برؤية المملكة العربية السعودية والتحالف الذي تقوده، لكأن النظام العربي سّلم بنظريتي “المجال الحيوي”  و”المركز والمحيط”، فلا نقاش خارج مرجعيات المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والمساعي الأممية التي تدور في فلكها، وهذا موقف كنا مقروءاً منذ أمد، ولم تخرج القمة عن محدداته وضوابطه.

العلاقة إيران، كانت موضع خلاف مضمر، يقرأ ما بين سطور الكلمات، فمن داع إلى علاقات حسن جوار ومنظومة للأمن والتعاون الإقليمي على أساس القوانين الدولية والمبادئ المستقرة في العلاقات الدولية، إلى مندد ومدين بدورها في إثارة الفتنة ودعم الإرهاب، إلى متجاهل للملف برمته، إلى “مجيّش” و”محرض” على مواجهتها وقتالها إن لزم الأمر ... الحال حيال هذه المسألة، ظل على حاله.

خلاصة القول، لم يكن للقمة أن تخرج بأكثر مما خرجت به، وما كان لها أن تخرج بمثل هذه النتائج، لولا انعقادها في عمان، ولولا الدور المتميز الذي لعبتها الديبلوماسية الأردنية ... والقمة من قبل ومن بعد، قصة نجاح للأردن، أما مستقبل النظام العربي وقدرته على احترام مقرراته، فتلكم قضية أخرى، تتعدى الأردن وتتخطى حدود إمكاناته.

المصدر : صحيفة الدستور

omantoday

GMT 13:15 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

مَنْ ينبش كوابيس الفتنة ؟!!

GMT 08:11 2021 الأربعاء ,24 شباط / فبراير

الأردن و«حل الدولة الواحدة»

GMT 07:47 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

ما الأفضل لفتح: قائمة مـوحـدة أم قائمتان؟

GMT 07:42 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

«وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انطباعات من القمة انطباعات من القمة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:44 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعه 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الجدي

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab