«موسم الهجرة إلى موسكو»

«موسم الهجرة إلى موسكو»

«موسم الهجرة إلى موسكو»

 عمان اليوم -

«موسم الهجرة إلى موسكو»

بقلم : عريب الرنتاوي

الحجيج الإقليمي إلى موسكو لا ينقطع إلا ليُستأنف من جديد ... كل من له صلة او مصلحة في الأزمة السورية على نحو خاص، عليه أن يذهب لمقابلة “القيصر”، جدول الأعمال الذي لا ينجز في الزيارة الأولى ينجز في الثانية أو الثالثة أو الرابعة ... نتنياهو ضيف متكرر على الكرملين، مثله في ذلك مثل أردوغان ... حسن روحاني سيتمم زيارة أخرى للعاصمة الروسية قبل نهاية الشهر الجاري، وبين زيارة وأخرى لقادة الدول، ثمة العشرات من الزيارات والاجتماعات واللقاءات التي يجري تنظيمها على مستوى كبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين وأمنيين وخبراء.

بين يدي فلاديمير بوتين تتجمع خيوط اللعبة ... وعلى مائدته تتراكم المصالح والمطالب والأولويات المتضاربة ... يأتي أردوغان ليطلب رأس صالح مسلم، ومن ورائه حزب العمال الكردستاني ... يأتي الأكراد من مختلف المشارب، يبحثون عن مكان لكيانهم وهويتهم تحت الشمس ... يصل نتنياهو لإبراز الخطر “الفارسي” و”الشيعي” ويطلب بإعطاء الأولوية لطرد إيران و”ميليشياتها” من سوريا، وعدم تمكينها من ملء فراغ داعش ... يذهب حسن روحاني بجعبة أولويات تمتد من بقاء الأسد في “عرينة” الدمشقي إلى حفظ الشرايين التي تغذي حزب الله في لبنان بنسغ الحياة.

الملك عبد الله الثاني من الزائرين المترددين بانتظام على الكرملين، نسج روابط شخصية قوية من رجل روسيا القوي، أما أجندته في سوريا، فتراوح ما بين محاربة الإرهاب، وهو الموضوع الأثير على قلب “القيصر” إلى التهدئة جنوباً التي تدرأ خطر انتقال شرارات النار السورية إلى العمق الأردني ... الاستجابة الروسية للأجندة الأردنية غالباً إيجابية، فمطالبها متواضعة وتكاد تنحصر في الجنوب، والأهم، أنها منسجمة مع الأولويات الروسية ومتوافقة مع القانون الدولي.

اللاعبون العرب الآخرون، لا يترددون كثيراً على موسكو، وهي ليست من المدن التي يحبون زيارتها بالعادة، وغالباً ما يتوجهون صوبها تحت الضغط وإلحاح الحاجة والضرورة... هؤلاء تقلص دورهم في سوريا لهذا السبب، من بين أسباب أخرى بالطبع، من لا يعرف كيف يقيم علاقات تعاون وتنسيق مع الكرملين، سيواجه المزيد من المتاعب في سوريا، فهي اليوم، “مايسترو” الحرب والسلم، وعراب الصفقات والمفاوضات، وهي الميسر الأكبر لمساري أستانا وجنيف على حد سواء.

التوفيق بين هذه المصالح المتضاربة والمصطدمة، ليست مهمة سهلة على الكرملين والخارجية ووزارة الدفاع... بل هي تبدو أحياناً “مهمة مستحيلة” وغير قابلة للإنجاز... لكن للديبلوماسية “سحرها” الخاص، لا يدركه سوى الخبراء فيها والمتمرسين بمهاراتها والمتملكين لأدواتها ... وإلا كيف ينجح زعيم الكرملين في استعادة “الشراكة الاستراتيجية” مع تركيا، فيما لصالح مسلم وعبد الله أوجلان مكاتب في موسكو؟ ... وكيف يرتقي بالعلاقة مع إسرائيل وحكومة “الترويكا” الأكثر يمينية، فيما شراكة بلاده مع نظام “الولي الفقيه” لا تقل أهمية عن شراكتها مع “الباب العالي” ... وكيف تتمكن موسكو من رسم خطوط وحدود بين الجيوش والمليشيات المتصارعة على رقع صغيرة من الأرض في الباب ومنبج، وربما بعدها في الرقة ودير الزور، ومن دون أن يتغول أحدها على الآخر؟

روسيا تنجح في كل هذا وذاك وتلك ... وتنجح أيضاً في تحويل سعي مختلف اللاعبين الإقليميين لخطب ودها، إلى أداة ورافعة لتعزيز دورها الإقليمي والدولي، بل وتترجم كل هذه الاحتياجات، إلى علاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية متطورة مع مختلف هذه البلدان ... تقيم المفاعلات النووية في كل من إيران وتركيا، وتورد “إس 300” لإيران وتفاوض تركيا على “إس 400” ... تتفق على رفع التجارة البينية إلى 100 مليار دولار، بالروبل والليرة التركية، وتفعل شيئاً مماثلاً مع إيران ... إنه العصر الذهبي لموسكو في سوريا والإقليم من حولها، والذي لم يزدهر، وما كان له أن يزدهر، إلا كنتيجة للسياسات الأمريكية الانكفائية في المنطقة، والتي تعبر بدورها عن تبدل أولويات واشنطن، أكثر مما تعبر عن “ضعف شخصية” هذا الرئيس أو تردد ذاك كما يحلو لنا القول غالباً.

نجحت روسيا حتى الآن، في أن تحتل مقعد “السائق” في عربة الأزمة السورية، وهي تحاول إعادة انتاج هذا الدور في أماكن أخرى، ليبيا على سبيل المثال ... وتبدي إصراراً مفهوماً على جلوس “الأمريكي” في المقعد المجاور للسائق، وتترك المقاعد الخلفية لبقية الأطراف الإقليمية والدولية ... هي إذن، القيادة الروسية لهذا الملف الشائك، وهي إذ تعطي موسكو مكانة الأفضلية و”الميزة النسبية” إلا أنها ترتب عليها الكثير من المسؤوليات، ربما كل المسؤوليات ... فلا يُسأل الراكب عن مسؤوليته عن الحادث المروري، حتى وإن جلس في المقعد المجاور لمقعد السائق، وحده الأخير، من يتحمل المسؤولية، ويدفع تبعات أي خروج عن المسرب الصحيح.

هل تحتفظ موسكو بمقعد القيادة في الأزمة السورية؟ ... وهل ستواصل النجاح في إدارة هذه الفسيفساء المعقدة من المصالح المتناقضة والمتضاربة؟ ... هل لديها القدرة على إدارة كل هذا العدد من اللاعبين على مسرح الأزمة السورية، وإلى متى؟ ... هل ستتمكن من ترجمة نظرية “توازن المصالح” بدل “توازن القوى” التي روّج لها آخر رئيس للاتحاد السوفياتي القديم، ميخائيل غورباتشوف، زمن “البيروسترويكا” و”الجلاسنوست”... أسئلة ما زالت تبحث عن إجابات

المصدر : صحيفة الدستور

omantoday

GMT 13:15 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

مَنْ ينبش كوابيس الفتنة ؟!!

GMT 08:11 2021 الأربعاء ,24 شباط / فبراير

الأردن و«حل الدولة الواحدة»

GMT 07:47 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

ما الأفضل لفتح: قائمة مـوحـدة أم قائمتان؟

GMT 07:42 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

«وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«موسم الهجرة إلى موسكو» «موسم الهجرة إلى موسكو»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:44 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعه 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الجدي

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab