بقلم :عريب الرنتاوي
نسبت مصادر إعلامية إسرائيلية إلى مسؤولين أمنيين كبار لم تسمهم، قولهم إن إيران بدأت سحب وحدات حرسها الثوري من سوريا، وإن ثمة شواهد ومعلومات استخبارية تؤكد هذا، وعزت المصادر السبب الكامن وراء القرار الإيراني، إلى الضربات العسكرية الإسرائيلية التي تكاد لا تتوقف ضد أهداف إيرانية وأخرى حليفة، والتي تلحق خسائر مادية وبشرية جسيمة في صفوف الحرس وحلفائه، في سياق ما بات يُعرف بـ»حرب الظلال» التي تخوضها إسرائيل ضد إيران في سوريا، وأحياناً في العراق، وغالباً من فوق لبنان.
مصادر لبنانية محسوبة على إيران، سخرت من هذه الأنباء وكذّبتها، واعتبرتها حلقة في مسلسل الحرب النفسية التي تخوضها تل أبيب ضد «محور المقاومة»، سيما الخلاصة التي انتهت إليها التقارير الإسرائيلية، التي تقول بأن إيران باتت عبئاً على سوريا وليست ذخراً لها... في خلفية هذا التقدير، أن إيران تواجه ظروفاً تزداد صعوبة، سيما في تدبير شأنها الاقتصادي والمعاشي، بعد اشتداد قبضة العقوبات الأمريكية وانهيار أسعار النفط وجائحة كورونا التي ضرت إيران على نحو مؤلم.
والحقيقة أنه لا يمكن أخذ هذه «التسريبات» من دون تحفظ، فإيران استثمرت بكثافة من أموالها وأرواح مقاتليها وحلفائها في سوريا... ودمشق، من منظور استراتيجي إيراني، هي «واسطة العقد» لنفوذها الإقليمي، ومن دونها ينكسر «هلالها» في واحدة من أهم حلقاته، لكن مع ذلك، لا يمكن المرور على هكذا تسريبات، مرور الكرام، سيما بعد بروز تطورين هامين: الأول؛ تكاثر الأنباء التي تتحدث عن تزايد الاهتمام بحل سياسي للأزمة السورية، تحت ظلال كورونا وبفعل تداعياتها، وهو حل يفترض من ضمن ما يفترض، تسوية تخرج الأسد من السلطة، وتنهي (تقلص) الوجود الإيراني في سوريا، ودائماً في إطار مقايضة كبرى تجريها موسكو مع واشنطن، وبمشاركة أقل من إيران وتركيا وإسرائيل...والثاني؛ اندلاع الخلاف بين أهم رمز سياسي للنظام السوري «عائلة الأسد»، وأهم رمز اقتصادي له «عائلة مخلوف»، وبما يفتح الباب لكل التأويلات والتفسيرات.
المراقبون، سيما أنصار طهران، ما زالوا بانتظار «الرد المزلزل» الذي توعّدت به إيران إسرائيل... لكن هذا الرد لم يأت بعد، وقد لا يأتي أبداً، لا من إيران مباشرة، ولا من حزب الله المنهك بأولويات أخرى، في استعادة عبثية لرائعة صاموئيل بيكيت عن «غودو الذي لا يأتي»... ولطالما كنت من القائلين بأن «الاشتباك مع إسرائيل» ليس أولوية لإيران ولا هو بند يتقدم جدول أعمالها في سوريا، والمؤكد أنها ليست أولوية لدمشق كذلك، فموضوع الجولان والحاجة لاستعادته، متروك لأزمنة أخرى، غير ضاغطة الآن، وقد لا تكون كذلك في المستقبل المنظور.
ولم نر يوماً أن لطهران وموسكو الأجندة ذاتها في سوريا، فـ»زواج المتعة» الذي ارتبطت به العاصمتان، قام على مصلحة مشتركة في استنقاذ النظام وإضعاف المعارضة وتصفية الإرهاب، فلا موسكو بوارد الاستغناء عن «الدعم الميداني البري الإيراني» ولا طهران قادرة على الاستمرار في خوض معاركها في سوريا، من دون غطاءين جوي وسياسي روسيين.
اليوم، تكاد موسكو تحسم أمرها: استكمال تحرير إدلب والشمال الغربي، كما الشمال الشرقي لسوريا، لن يكون بفعل عمل عسكري مكلف و»مُقامِر»، بل بفعل مفاوضات متعددة المسارات، تنخرط فيها واشنطن وأنقرة بقوة، فضلاً عن الأطراف المحلية كدمشق والأكراد وفصائل المعارضة... حاجة موسكو للقوة الإيرانية في تناقص لكن قيمة «الورقة الإيرانية» على مائدة المفاوضات الأمريكية – الروسية، والروسية – الإسرائيلية، ما زالت عالية، ومن الصعب على الكرملين التفريط بها من دون مقابل.