بقلم : عريب الرنتاوي
خلال الأيام التي أعقبت قرار السلطة «التحلل» من الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل، أدلت كثرة كاثرة من المحللين السياسيين الإسرائيليين بدلائلها حول القرار الفلسطيني: فرص تنفيذه، تداعياته، وانعكاساته المحتملة على مستقبل السلطة ذاتها، وما الذي ستفعله إسرائيل في حال وَقَعَت السلطة من حافة الهاوية إلى قعرها.
سنقفز في هذه المقالة، عن «التشكيك» الإسرائيلي الكثيف بالقرار وإمكانية اتخاذه، والأهم، إمكانية تطبيقه، للتحدث عن تداعيات القرار وانعكاساته...هنا برزت في أحاديث بعضهم اقتراحات من نوع العودة إلى «الإدارة المدنية» السابقة لقيام السلطة، فيما ذهب بعضهم الآخر، وهذا هو الأهم والأخطر، للحديث عن مشروع «الإمارات الفلسطينية»، بعضهم قدرها بثمانية، أكثر قليلاً أو أقل قليلاً.
«إمارات المدن»: رام الله – البيرة، الخليل، نابلس، بيت لحم، جنين، طولكرم، أريحا، فضلاً بالطبع عن «إمارة غزة» القائمة فعلياً، تحت قيادة حماس وسلطة الأمر الواقع القائمة هناك...وربما يذهب مشروع التفتيت الإسرائيلي إلى ما هو أبعد ذلك... وكان لافتاً حديث بعض المتحدثين عن «إمارات تتقاسمها الحمائل والعشائر الفلسطينية الكبيرة»...»الإمارة – العشيرة» هي نهاية مطاف العملية التفتيتية التي تراود مخيلة بعض العقول السوداء في إسرائيل.
والحقيقة أن أفيغدور ليبرمان، كان تحدث بكل «وقاحة» عن مشروع «المدن /الإمارات»، مقترحاً تخطي السلطة الفلسطينية «المركزية» في رام الله، والتعامل مع قيادات فلسطينية محلية، وتسهيل حصول المواطنين الفلسطينيين على الخدمات الأساسية، من خلال هذه القيادات وليس عبر قنوات التنسيق المدني والأمني المعتمدة بين إسرائيل والسلطة.
من وجهة نظر أصحاب هذه «الأحلام السوداء»، فإن «الإمارات الفلسطينية» تخدم المصالح الأعمق لإسرائيل، من جانبين: الأول؛ أنها تقضي على فكرة الدولة وتقرير المصير والقدس العاصمة وحق العودة...والثاني؛ أنها تضع الفلسطينيين في «متوالية» من الانقسامات، يصبح معها الشرخ القائم بين غزة والضفة، وفتح وحماس، مجرد تفصيل صغير.
وفي مختلف الأحوال، فإن مشروع «الإمارات الفلسطينية» أياً كان عددها، سيساعد إسرائيل في التخلص من «فائض الديموغرافيا» الفلسطينية، ويسهل عليها ابتلاع مساحات رئيسة من الضفة الغربية، وسيضعف طاقة الشعب الفلسطيني على المقاومة، وسيصرفها في قنوات من الصراعات والانقسامات البينية.
وقد تتولى واحدة من هذه الإمارات، صفة «الإمارة القائدة»، المنوط بها إصدار جوازات السفر، والجلوس على مقعد فلسطين في أي محفل إقليمي أو دولي، بوصفها ممثلة «الدولة الفلسطينية» التي جاء بها «وعد ترامب»، هذه أيضاً مصلحة إسرائيلية، فتل أبيب اللاهثة وراء الجغرافيا الفلسطينية زاهدة تماماً الديموغرافيا الفلسطينية، وفكرة «الإمارة القائدة» لا تُبطل مفاعيل حالة التنافس والتزاحم بين «الإمارات الفلسطينية – غير المتحدة»، بل تنميها.
عندما انسحب شارون من جانب واحد من قطاع غزة، زرع بذرة الإمارة الغزّية هناك، ومن حينها لم تقم للوحدة الوطنية الفلسطينية قائمة...هذا النموذج الخبيث الذي قوبل فلسطينياً بصيحات النصر واحتفالات التحرير، يُراد تعميمه اليوم على الضفة الغربية، وهو وإن لم يصبح بعد، سياسة رسمية إسرائيلية، إلا أن تجربتنا مع إسرائيل، علمتنا أن ما يبدأ عادة كفكرة متطرفة لتيار هامشي في الخريطة الحزبية الإسرائيلية، يتحول مع الأيام إلى فكرة سائدة تعبر عن «تيار مركزي» فيها.
أما «البنية التحتية» لمشروع «الإمارات الفلسطينية – غير المتحدة»، فهي جاهزة في أحزمة المستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز الدائمة و»المقصات/ المحسومات» التي تجعل من كل مدينة فلسطينية، جزيرة معزولة قائمة بذاتها...وقد جاءت خرائط «صفقة القرن» لتكرس فكرة «الدولة/الأرخبيل»، التي يبلغ طول حدودها مع إسرائيل (لفرط تفتتها) قرابة الـ 1600 كم، بما يتجاوز مجموع أطوال حدود إسرائيل البحرية والبرية مع دول الجوار الأربع.