بقلم - عريب الرنتاوي
تسلّمت فلسطين رئاسة مجموعة الـ «77+الصين» من مصر يوم أمس، في سابقة هي الأولى في تاريخ المجموعة الدولية والحركة الوطنية الفلسطينية على حد سواء ... الأمر الذي عُدّ انتصاراً متميزاً للدبلوماسية الفلسطينية، بعد أن صدر القرار بأغلبية 146 دولة ضد ثلاثة دول فقط هي إسرائيل والولايات المتحدة وأستراليا، وامتناع 15 دولة عن التصويت.
المجموعة تمثل دول العالم الثالث، واكتسبت زخماً بانضمام الصين إليها، وعضويتها اليوم تزيد عن الـ 130 دولة، وستوفر رئاستها لفلسطين الفرصة طوال العام 2019، للحديث باسم هذا التكتل الدولي، والمشاركة في كافة الاجتماعات التي يدعى إليها، ويمكن النظر لهذا الإنجاز بوصفه خطوة على طريق انتقال المكانة القانونية لفلسطين من المنتظم الدولي من وضعية المراقب غير العضو، إلى وضعية العضوية الكاملة... نقول ذلك من دون مبالغة أو تطيّر، من دون تهويل أو تهوين بحجم المنجز.
هذا التطور الهام لم يرق لحركة حماس على ما يبدو، فجعلت من مناسبة استلام فلسطين لرئاسة المجموعة، فرصة لتدبيج العرائض وجمع التوقيعات لإرسالها إلى دول المجموعة والأمم المتحدة، طعناً في شرعية الرئيس عباس الذي غادر إلى نيويورك لهذا الغرض، ولقد وصلتني عرائض حمساوية، مقنعة بتوقيعات مؤسسات مجتمع مدني (محسوبة عليها بالطبع) تطعن في شرعية الرجل وتقدح في أهليته لهذه المهمة، وتناشد المجتمع الدولي التعامل مع عباس كـ»مغتصب» للسلطة ومنتحل للصفة الدستورية وعدم إسباغ ثوب الشرعية عليه؟!
لو أن حماس لديها ذرة ثقة بأن إسماعيل هنية أو يحيى السنوار، سيخلفان عباس في رئاسة هذه المجموعة، أحدهما أو كلاهما، لقلنا إن هذا من حقها، فالتنافس مشروع في مناخات الوحدة والانقسام سواء بسواء ... ولكن حماس تدرك تمام الإدراك، أن «نجوم السماء أقرب لها» من احتمال كهذا، فلماذا الإصرار على تخريب هذه اللحظة والتشويش عليها، وكيف تدفع الصراعات الفئوية فصيلاً كهذا، إلى التفريط بأي مكسب وطني، طالما أنه قد يفيد خصمها (المفروض شريكها) في الوطن والقضية؟
هو نموذج آخر على الأنانية المفرطة وسوء التقدير والنيّة، وهو تعبير عمّا يمكن للحمق السياسي أن يفعل بأصحابه، حقاً إن الحماقة أعيت من يداويها ... وإلا لأبقت الحركة خلافها مع عباس في الإطار الفلسطيني، ولما ذهبت به إلى المنتظم الدولي، وفي هذه اللحظة الاحتفالية بالذات، وبما يخدم الدول الثلاث التي صوتت ضد القرار ابتداءً وقاومته: إسرائيل والولايات المتحدة وأستراليا ... حماس تضع نفسها طواعية إلى جانب هؤلاء.
ولكي نقطع الطريق على المتصيدين في المياه العكرة، وما أكثرها وأكثرهم، نقول: إننا حملنا على الرئيس عباس حين ضمن خطابه السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقرات تتحدث بالنقد والسوء عن حركة حماس، وقلنا إن منصة المنظمة الأممية ليست المكان المناسب للإدلاء بمثل هذه المواقف، وليست الحبال المناسبة لنشر كل هذا الغسيل الوسخ.
لكن عباس والسلطة والمنظمة، تداركوا الأمر بأسرع مما تخيلنا، ووقف مندوب فلسطين في المنتظم الدولي الأخ رياض منصور، بصلابة ضد محاولة إدراج حماس في قائمة المنظمات الإرهابية، وقد سقط القرار كما يعرف الجميع، بإصرار وجهود فلسطينية (فتحاوية، بتوجيه من عباس)، وذكاء كويتي (طلب التصويت بأغلبية الثلثين على مشروع القرار) ونجت حماس ونجى شعبها من أحابيل نيكي هيلي في آخر محاولة لها لشيطنة الشعب الفلسطيني وتقديم فروض الولاء والانتماء لإسرائيل ومشروعها العدواني التوسعي.
إنه ضربٌ من نكران الجميل، أن نأتي بعد تلك الواقعة بأسابيع قلائل، لنحرض المجتمع الدولي على الرئاسة الفلسطينية ... صحيح أن الحركة التي تقودها حماس على هذا المضمار ليست أكثر من «زوبعة في فنجان»، بيد أن دلالتها بالغة الخطورة ومثيرة للقلق حقاً، بما تظهّره من نوايا واستعدادات خبيئة وخبيثة.