بقلم - عريب الرنتاوي
تناقلت وسائل الإعلام خبر اللقاء المطول الذي عقده الرئيس الفلسطيني محمود عباس في منزله مع رئيس حكومته السابق سلام الفياض، بعد طول قطعية وانقطاع بين الرجلين ... بعضهم أدرج اللقاء في عداد الزيارات الاجتماعية لتهنئة الرئيس بسلامته من الوعكة التي ألمّت به، لكن معظمهم وضع الزيارة و»اجتماع الساعتين» في سياق سياسي بامتياز، متصل بالمصالحة الداخلية وتغيير حكومي مفترض لمواجهة استحقاقات «صفقة القرن» ومشروع «غزة أولاً» ومحاولات تمرير حل «تصفوي» للقضية الفلسطينية، تحت عباءة إنسانية، ومن بوابة القطاع المحاصر والمجوّع.
لسنا على يقين من أي شيء في هذا الصدد، ولدينا ما يساورنا من الشكوك في قدرة المؤسسة الفلسطينية (الفتحاوية) أساساً على استيعاب شخصية بوزن سلام فيّاض، كما أننا لسنا على يقين من أن الرجل هو الخيار الأنسب لإتمام المصالحة، أو التصدي لصفقة القرن ... سلام فيّاض، القادم متأخراً إلى صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، شغل الأرض والفضاء ذات مرحلة، وارتبطت باسمه أكثر من غيره، سياسات ومنهجيات، قامت على مزيج من نظرية «السلام الاقتصادي» و»الانسان الفلسطيني الجديد» وبناء الدولة «من تحت لفوق» وتحت جلد الاحتلال، إلى غير ما هنالك من عناوين أساسية شكلت أركان ما أسماه توماس فريدمان بـ «الفياضية»، والتي اعتبرناها في حينه، مزيجاً من «البليرية» نسبة إلى طوني بلير و»الدايتونية» نسبة للجنرال كيت دايتون الذي أشرف على إعادة بناء وتأهيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعد رحيل ياسر عرفات، وإعادة احتلال الضفة الغربية وتدمير بنى ومؤسسات السلطة في أواسط العقد المنصرم.
سلام فيّاض تغيّر، وقد أتيحت لي فرصة الاطلاع على بعض من كتاباته ومحاضراته، ووفر لنا الصديق أسعد عبد الرحمن ذات يوم، فرصة حوار موسع معه في عمان ... الرجل أعاد تقديم تجربته على نحو مغاير، لا أريد القول أنه ادعى «الحكمة بأثر رجعي»، ربما سعى في «توزيع دم التجربة على قبائل السلطة والمنظمة وفتح» ... أذكر يومها، أنني عرضت عليه، ولا أدري إن كان لا يزال يذكر أم لا، أن أولى أولوياته الوطنية بعد خروجه من السلطة، التطواف بأصدقائه في العواصم الغربية والعربية، يشرح لهم كيف أحبطت إسرائيل مسعاه لبناء دولة تحت الاحتلال، انسجاماً مع توجه المجتمع الدولي، بعد أن ظلت إسرائيل تتهم السلطة والمنظمة وفتح، بالإجهاز على «الفياضية»، لتعيد التأكيد على خلاصتها المتكررة، بأن الفلسطينيين اشتهروا بإضاعة الفرص، وأنهم أعجز من أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، تقول ذلك وتمعن في قوله، حتى وهي تدمر آخر فرصة لعملية السلام و»حل الدولتين».
إن صحت الرهانات والتوقعات المبشّرة بعودة فيّاض، فإنني من موقع مخلص أنصحه بإعادة قراءة تجربته وتجربة السلطة في التفاوض والرهان على بناء الدولة تحت الاحتلال... المرحلة المقبلة، هي مرحلة المقاومة الشعبية والمقاطعة واسعة النطاق، وإعادة بناء اقتصادات الصمود (وليس الاقتصاد الاستهلاكي – التبعي)... المرحلة المقبلة، مرحلة مطاردة إسرائيل في كافة المحافل والمنابر الدولية، سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً وحقوقياً ... المرحلة المقبلة، مرحلة استعادة المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية، وتجميع أوراق القوة الفلسطينية من جديد، وليست مرحلة إعادة بعث الأوهام والرهانات الخائبة، التي أشرف على تطويرها وإشاعتها، أشد الشخصيات الاستعمارية عداء للعرب والفلسطينيين وأكثرها فساداً: طوني بلير
تحتاج المرحلة الاستراتيجية الجديدة التي ولجها نضال الشعب الفلسطيني في سبيل حريته واستقلاله، إلى شخصيات جديدة وتفكير من خارج الصندوق، ولا نسقط من حساباتنا احتمال الحصول على «فيّاض 2»، شريطة أن يتجاوز بوعيه وممارسته مرحلة «فيّاض 1» بكل ما لها وعليها، فهل يمتلك الرجل مثل هذه القناعات والاستعدادات والرغبات والطاقات؟