بقلم - عريب الرنتاوي
الوزير الإيراني محمد جواد ظريف تحدى العالم عبر صحيفة «لوبوان» الفرنسية، أن يأتيه بتصريح لمسؤول إيراني واحد هدد فيه أو تعهد بإزالة إسرائيل وتدميرها، وقدم قراءة جديدة لما سبق لأول مرشد وقائد للثورة الإسلامية آية الله الخميني أن أدلى به من مواقف و»فتاوى»، وأعاد تكرارها الرئيس السابق أحمدي نجاد وغيره من كبار المسؤولين الدينيين والعسكريين والسياسيين الإيرانيين ... الخميني وفقاً لظريف، عنى أن سياسات إسرائيل ونهجها في المنطقة، هي الكفيلة بإزالتها وتدميرها، ولم يقصد أن بلاده هي التي ستفعل ذلك.
حسناً، نريد أن نصدّق رواية الوزير الإيراني، وأن نقبل بشروحاته «التجديدية» للنصوص الخمينية، مع أن أحداً في ظني، لم يصدق ما ذهب إليه «الوزير المبتسم»، ذلك أن جُل إن لم نقل كل، الخطاب الإيراني حيال إسرائيل، قد بُني على هذه «النظرية»، حتى أنه لم يبق حليف واحد لإيران في المنطقة، لم يردد شعار «الموت لأمريكا ... الموت لإسرائيل»، من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن، مروراً ببعض فصائل الحشد الشعبي في العراق.
أياً يكن من أمر، ثمة من رأى في تصريحات الوزير ظريف، بداية لانعطافة رسمية في مواقف إيران حيال إسرائيل، وجنوح للنظر إليها بوصفها «دولة طبيعية» في المنطقة، العلاقة معها تحتمل الصداقة والعداوة، لكن خيار الإبادة والإزالة، ليس من ضمن خيارات إيران المطروحة على المائدة، حتى وإن كانت «أوهى من خيوط العنكبوت».
لم نصدق يوماً، أن إيران قصدت في أفعالها ما دأبت على ترديده في أقوالها ... ولم نأخذ حكاية إزالة إسرائيل على محمل الجد ... وإن كنا لم نشكك للحظة في عداء إيران لإسرائيل، وتلكم مسألة أخرى، لكنها عدواها لا تجعل من إزالة إسرائيل واحدة من أولويات الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة ... وكنا نشاهد بقليل من الدهشة حيناً وكثير من «الاستسخاف» أحياناً، كيف تتعامل إسرائيل وبعض دوائر الغرب مع التصريحات الإيرانية، بوصفها تهديداً فعلياً، أو خطراً ماثلاً على إسرائيل، ولطالما تساؤلنا: هل يصدق هؤلاء فعلاً ما يصدر عن الآلة الدعائية الإيرانية من مواقف، أم أنهم يحاولون استثمارها لتحقيق غايات أخرى، من بينها جر العرب إلى حلف استراتيجي مع إسرائيل، بحجة وجود «عدو مشترك»؟
كنا دوماً على يقين بأن إيران، شأنها في ذلك شأن دول عربية وإقليمية عديدة، لطالما قاربت الملف الفلسطيني من زوايا دعائية بهدف تحقيق مآرب أخرى ... الاقتراب من فلسطين يعطي صاحبه كثيرا من الصدقية و»الشعبوية»، وارجعوا إلى التاريخ، وستجدون كل ديكتاتور أو نظام شمولي، قد فعل أمراً مماثلاً ... إيران ليست الاستثناء، واستراتيجيتها للعب دور مهيمن في جنوب – غرب آسيا معروفة تماماً، ورغبتها في أن تكون اللاعب الرئيس على المساحة الممتدة من قزوين إلى الأبيض المتوسط، تجعل اللجوء إلى شعارات «تحرير فلسطين» و»الموت لإسرائيل»، أمراً في غاية الأهمية والضرورة... وصراعها مع أقطاب إسلامية أخرى على زعامة العالم الإسلامي، يدفعها للاستثمار في هذه المسألة كذلك.
وإذا كان مفهوماً، زمن «إيران/ الثورة» ومحاولات تصديرها، أن تكثف إيران من خطابها المناهض للاستكبار العالمي ومختلف الشياطين، فإن من المنطقي أن نتوقع في زمن «إيران /الدولة»، تبدلاً في لغة هذا الخطاب ومفرداته، فما بالك وإيران «الدولة والثورة معاً» تمر في واحدة من أصعب مراحلها منذ أربعة عقود، حيث الحصار والعقوبات والاستهداف الأمريكي قد بلغ واحدة من أعلى ذراه.
المدرسة الإصلاحية الإيرانية، التي تمسك بتلابيب الرئاسة والحكومة والخارجية في إيران، قررت منذ زمن، أن تعبر بإيران من «الثورة» إلى «الدولة»، وأن تعيد دمجها في السوق العالمية، وأن تجري أوسع عمليات التطبيع مع خصوم إيران على الساحتين الإقليمية والدولية، ولولا «الصدفة القاتلة» التي جاءت بترامب رئيساً للولايات المتحدة، لكانت طريق الإصلاحيين معبدة بالورود، ولكان لهم ما شاءوا وما خططوا ... والظاهر اليوم، أن انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي وعودة نظام العقوبات المشددة على إيران، لم يمنع رموز هذه المدرسة من غذ السير على الطريق ذاتها، وفي ظني أن تصريحات ظريف تندرج في هذا السياق، وتبعث برسائل إلى الغرب، بأن إيران تتغير، وهي قابلة للمزيد من التغيير، إن وجدت من يمد لها يداً على الطرف الآخر.