بقلم - عريب الرنتاوي
لا أظن أن جاريد كوشنير أو من هم في وضعه، يدركون معنى شهر رمضان بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين، حتى يعلن إرجاء الكشف عن صفقته، المعروفة مجازاً باسم «صفقة القرن»، إلى ما بعد انتهاء شهر الصوم... نفهم أن يقول إلى ما بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية، بيد أننا نقدر ربط الاستحقاق المنتظر بانتهاء الشهر الفضيل، إنما هو نصيحة إسرائيلية أمينة بامتياز، وأن من وضعها في أذني «الفتى الغر»، هو ديفيد فريدمان، عراب الملف برمته.
معنى ذلك أن صهر الرئيس المدلل، وزوج ابنته المدللة، بات يدرك أن مضامين صفقته المريبة، بما تنطوي عليه من استباحة للحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية والمسيحية في القدس والبلدة القديمة والحوض المقدس والمسجد الأقصى، تنتهك أقدس مقدسات الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين... وأن الكشف عنها قبل حلول الشهر المبارك، يمكن أن يحيل الحجيج إلى الأقصى والمساجد والحسينيات في فلسطين والعالمين العربي والإسلامي، إلى مناسبة لاحتجاج ورفع صوت الإدانة والتنديد بواشنطن وحليفتها في المنطقة: دولة الاحتلال والعنصرية.
لقاؤه مع السفراء العرب في واشنطن، ودعوته لـ»تفتيح العقول» لتقبل الصفقة «الفريدة من نوعها»، يشِفُ بدوره عن قلق داخلي عميق، بأن وعود الدعم والإسناد التي تلقاها في البدء، ربما تكون تبخرت، وأن أحداً في العالمين العربي والإسلامي، لن يجرؤ على الظهور أمام كاميرا للبوح بقبول الصفقة أو التلميح بذلك... وغني عن القول، إنه لن يجد فلسطينياً واحداً ليتعاون معه؛ فالفلسطيني الذي سيقبل بهذه الصفقة، أظنه لم يخلق بعد.
وتيرة الانتقادات والتحذيرات من «صفقة القرن» ترتفع يوماً إثر آخر، وفي واشنطن بالذات، ومن قبل خبراء ومختصين وسياسيين، هم آخر من يمكن اتهامهم بالعداء لإسرائيل أو «الصداقة» مع الشعب الفلسطيني... وأكاد لا أجد واحداً من كبار المسؤولين، ممن قضوا سنوات وعقودا في التعامل مع ملف القضية الفلسطينية، أبدى ارتياحاً للمقاربة الأميركية الجديدة... حتى في الأوساط الصهيونية – الليبرالية – الأميركية، ثمة مخاوف أشد عمقاً من تداعيات الصفقة على المديين المتوسط والبعيد، ليس على أمن الشرق واستقراره ومستقبل المصالح الأميركية فيه فحسب، بل وعلى مستقبل «يهودية الدولة وديمقراطيتها»، وتنامي فرص تحولها إلى دولة للعنصرية والتمييز العنصري.
آخر من حّذر من تداعيات صفقة كوشنير، هو روبرت ساتلوف من معهد واشنطن الذي كتب تحت عنوان «على ترامب ألا يدع خطة جاريد كوشنير للسلام تبصر النور» محذراً من إعلان الصفقة وتقديمها، بالنظر لما يمكن أن تفضي إليه من نتائج قد تجهز على السلطة وتنسيقها الأمني مع إسرائيل، وما يمكن أن تثيره من انتقادات عربية وأوروبية، وما قد يترتب عليه من إضعاف لجهود واشنطن في محاصرة إيران وخنقها، فضلاً عن تأثيرها على العلاقات الأميركية السعودية، ولصالح الرياض على الأرجح... كوشنير لا شك يعرف ما يدور في واشنطن على الأقل، من مناقشات وتفاعلات تثيرها التسريبات المتكررة لمضامين الصفقة، وهو يعرف أنه وحده من سيتحمل وزرها حال بلغت طريقاً مسدوداً، أو منيت بالفشل الذريع.
وأخيراً، أحسب أن الرجل الذي طالما تحدث عن مشروعه بوصفه فريداً من نوعه، لا يقاوم، وإبداعيا، من خارج الصندوق، بدأ يتحدث عن المشروع بلغة فيها الكثير من الحذر، النابع من انعدام الثقة بقدرته على حشد التأييد لمبادرته، وخشيته من أن يكون هو و»حماه» من سيدفع ثمن حماقات رجل جاء من غياهب المجهول، بلا خبرة أو دراية، وتصدر أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيداً في الشرق الأوسط، إن لم نقل على الساحة الدولية.