بقلم - عريب الرنتاوي
وضعت إيران شرطين لاستئناف التفاوض مع الولايات المتحدة: رفع العقوبات والعودة للاتفاق النووي... حدث هذا منذ اندلاع الأزمة بين البلدين إثر انسحاب واشنطن الأحادي الجانب من الاتفاق، وتكرر مع فرض عقوبات أمريكية جديدة على طهران، وأعيد طرح الشرطين ذاتهما أمس الأول في أحدث تصريحات للرئيس الإيراني حسن روحاني.
والحقيقة أنه لا يمكن لأحد، أن يتخيل سيناريو ترفع بموجبه إدارة ترامب العقوبات عن طهران أو أن تعود للاتفاق النووي (الاتفاق الذي أبرمه باراك أوباما) لمجرد أن تقبل إيران بالتفاوض مع الولايات المتحدة ... هما شرطان صعبان، حتى لا نقول مستحيلان، والأرجح أن طهران تدرك ذلك تمام الإدراك، وأنها بتأكيدها المتكرر عليهما كأنها تقول بطريقة أخرى، لا نريد التفاوض مع واشنطن، وهو ما سبق أن قاله وكرره المرشد الأعلى للثورة الإسلامية مراراً وتكرراً على أية حال. قبول ترامب بشرطي روحاني، يعادل قبول الأخير بشروط مايك بومبيو الاثنتي عشرة، وهو لا يعني سوى شيء واحد فقط: إعلان الهزيمة ورفع الراية البيضاء أمام الطرف الآخر ... هكذا قلنا بالأمس عندما عرض بومبيو لشروطه، وهكذا نقول اليوم عندما يجدد روحاني طرح شرطيه ... في الحالة الإيرانية لن تفضي شروط بومبيو إلى تغيير سلوك النظام فحسب، بل ستفضي إلى تغيير النظام ذاته، عاجلاً وليس آجلاً ... وفي الحالة الأمريكية، لن يعني الأخذ بشرطي روحاني سوى ظهور إدارة ترامب بمظهر الضعيف والمرتجف والمتردد، توطئة ربما لخروج هذه الإدارة من البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة ... هذه ليس بداية لمفاوضات، هذا امتداد لحرب الكلمات بين الجانبين، وجزء من عملية التصعيد والتوتير، لا مدخلاً للتفاوض والدبلوماسية.
لقد ابتلعت إدارة ترامب شروط بومبيو الاثنتي عشرة بوصفها مدخلاً للتفاوض وإطاراً له، وإن كانت ما زالت تحتفظ بها كعناصر لأي اتفاق ترتضي به مع طهران، واشنطن هنا، أبدت كثير من المرونة، وقدمت الكثير من التنازلات، وقد تقبل باتفاق لا يلحظ جميع الشروط الاثنتي عشرة المطلوبة، شريطة أن يكون أكثر تشدداً حيال كل ما يحيط ببرنامج إيران النووي.
لكن واشنطن لن تقبل بشرطي روحاني بحال الأحوال، إدارة ترامب ستواجه مأزقاً داخلياً، وستكون قد هزمت أمام الحزب الديمقراطي وجو بايدن، وليس أمام المرشد والرئيس الإيرانيين فحسب، وستكون قد فقدت ما تبقى لها من ثقة لدى من تبقى لها من أصدقاء في المنطقة، وسيقرأ خصوم واشنطن على الساحة الدولية الأمر بوصفه علامة ضعف لهذه الإدارة، من فنزويلا وكوريا الشمالية، حتى الصين وروسيا ... أمر كهذا سيقضى على البقية من هيبة الولايات المتحدة ومكانتها وصورتها الردعية، وسيضيف إلى فشلها في حقل السياسية الخارجية، فشلاً آخر.
لا بد من «تدوير الزوايا الحادة» في مواقف الطرفين، فما يبدو اليوم شرطاً مسبقاً لاستئناف المفاوضات، قد يصبح متطلباً لاتفاق لاحق ... قد تحصل إيران على ما تريد، فترفع العقوبات المرتبطة ببرنامجها النووي عنها، وقد يعود ترامب لاتفاق أوباما محسناً أو معدلاً ... لكنه لن يرفع العقوبات مقدماً، قد يتعهد بذلك وهو فعل، وهو لن يعود بأي حال لاتفاق يحمل اسم سلفه، لأن لا وظيفة لترامب وأركان إدارته، سوى العمل لمحو «إرث أوباما» في السياستين الداخلية والخارجية كما قلنا في هذه الزاوية مرات ومرات.
في المقابل، سيتعين على إيران أن تفكير جدياً بما يمكن إضافته إلى الاتفاق النووي، أقله من باب توفير «سلم نجاة» لترامب للنزول عن الشجرة التي صعد إلى قمتها، وأظنها بدأت تدرك أن عقارب ساعة ترامب لن تعود إلى زمن أوباما ... هنا، وهنا بالذات، تبدو المهمة صعبة على إيران، وليس لا بد مما ليس منه بد، إن كانت الأطراف غير راغبة في الحرب وتسعى في تفاديها.
حالة التوتر والتصعيد، المصاحبة لحالة اللاحرب واللاسلم، لا يمكن أن تستمر طويلاً ... ولعبة «عض الأصابع» و»استعراض العضلات» محمّلة بكل المخاطر والعواقب الوخيمة، ومن دون استئناف المفاوضات سيظل قرع طبول الحرب يصم الآذان ... لا بد للدبلوماسية أن تتحرك، ولا بد للوساطات والوسطاء من استئناف نشاطهم ... لكن الشروط والشروط المقابلة، الصعبة إن لم نقل المستحيلة، تجعل هذه المهمة صعبة للغاية، فهل يمكن التفكير بمخارج من شأنها تذليل العوائق على طريق الاتفاق الجديد؟ ... هل ثمة من «سلالم نجاة» يمكن أن يقدمها الوسطاء للأطراف؟ ... الجواب على السؤالين نعم، بيد أن ثمة أسئلة من نوع متى وكيف، ما تزال عالقة تبحث عن إجابات.