جدل المقاومتين السلمية والمسلحة

جدل المقاومتين السلمية والمسلحة

جدل المقاومتين السلمية والمسلحة

 عمان اليوم -

جدل المقاومتين السلمية والمسلحة

بقلم : عريب الرنتاوي

مثلها مثل كافة النظم الديكتاتورية والشمولية، لا تبقي إسرائيل مساحة للتعبيرات الشعبية السلمية المقاومة لاحتلالها العنصري واستيطانها الزاحف ... فينتقل الفلسطينيون بعد فترة وجيزة من ممارسة أشكال الكفاح المدني والجماهيري غير العنيف، إلى امتشاق السلاح، وانتهاج أساليب كفاحية مسلحة، كما جرى في عملية تل أبيب الأخيرة ... لكأن إسرائيل تستدرج الفلسطينيين عن سابق ترصد وإصرار، إلى ساحات المواجهة التي تحتفظ فوقها بقدر عالٍ من التفوق.

هنا، لا فرق بين يمين ويسار، الجميع سواسية كأسنان المشط ... في أول وأكبر وأشمل انتفاضة شعبية سلمية، يخوضها الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله، أصدر “شهيد السلام” في إسرائيل الجنرال اسحق رابين أوامره الشهيرة بتكسير عظام أطفال الحجارة، يومها شاهد العالم بأسره، جنوداً إسرائيليين يتكالبون على فتى فلسطيني طريح ويعملون على تحطيم ذراعيه بالحجارة ... مشهد اهتز له العالم، ولم تعد صورة بعده كما كانت عليه من قبل.

اليوم، وفي ظل انجراف إسرائيل نحو التطرف، يتسلح جنود الاحتلال بأوامر صريحة، تقضي بإطلاق النار من دون تردد على كل طفل أو امرأة، تساورهم الشكوك بحيازته سكين مطبخ .

.. ويتبارى قادة الاحتلال في اجتراح العقوبات الجماعية، من هدم منازل العائلة إلى التشريد والإبعاد وصولاً إلى الأحكام القاسية بحق من هم دون سن الأهلية القانونية، وانتهاء باقتراح العمل بعقوبة الإعمال ضد شبان الانتفاضة وفتياتها، الذي تفتق عنه العقل العنصري الكريهة لوزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو.

ومثلما سعت الأنظمة الشمولية والقمعية إلى إحداث التماهي بين معارضاتها السلمية والوطنية من جهة والتنظيمات الإرهابية من جهة ثانية، كانت إسرائيل سبّاقة إلى محاولات إضفاء صفة الإرهاب على تنظيمات المقاومة الفلسطينية، بدءاً بفصائل منظمة التحرير، بل والمنظمة ذاتها، وصولاً إلى الفصائل الإسلامية كحماس والجهاد وحزب الله ... لعبة أجادتها إسرائيل على نحو كبير، مستفيدة من مناخات “الاشمئزاز” و”الاستنفار” التي تهيمن على العالم في مواجهة الموجة الإرهابية الجديدة.

والمؤسف حقاً أنه في الوقت الذي رأينا فيه المجتمع الدولي يتخذ مواقف منددة بإرهاب بعض الحكومات العربية (وليس جميعها) الرسمي المنظم، ضد شعوبها، وجدنا حالة من الصمت المريب حيال جرائم الاحتلال وبطشه، بل وتأييداً لما يسمى “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” ... سمعنا ذلك من قادة غربيين كثر، في الوقت الذي كانت فيه حمم النهار تنهمر على قطاع غزة، طوال ساعات النهار والليل في العدوانات الثلاث الكبرى التي شُنّت عليه خلال السنوات السبع الفائتة.

أمام جبروت الاحتلال، وردود أفعاله غير المتناسبة أبداً، مع حجم الفعل الفلسطيني المسلح، تكتسب العمليات الفلسطينية تأييد قطاع واسع من الشعب الفلسطيني، ويصبح الجدل حول جدوى هذه العمليات أو عدم جدواها، محكوماً بشواهد مما تفعل إسرائيل، وليس من زاوية “الربح والخسارة” فلسطينياً، وبمنطق لا يخلو من الانفعال والابتزاز أحياناً، تختفي معه الأصوات المطالبة بالمراجعة وإعادة النظر في أدوات الكفاح الأنسب في هذه المرحلة من مراحل نضال شعب فلسطين، وتغلب على الجدل الفلسطيني العالم، صيحات الثأر والانتقام، بصرف النظر عن النتائج والعواقب، لا على المستوى الأمني والحياتي للمواطنين فحسب، بل وعلى مستقبل القضية الوطنية ذاتها.

والحقيقة أننا لم نشهد حتى الآن، حواراً فلسطينياً صريحاً وفي العمق، حول أدوات الكفاح التي يتعين اللجوء إليها في مواجهة جبروت الاحتلال وزحف الاستيطان ... نسمع تراشقاً ومزايدات ومناقصات، ولا نرى “طحيناً”، مع أن اللحظة الفلسطينية الراهنة، تستوجب أوسع عمليات المكاشفة والمصارحة، وصولاً لبناء توافق وطني عريض حول أهداف المشروع الوطني وأدواته.

وزاد الطين بلّة، أن الداعين لاعتماد أساليب جماهيرية سلمية، غير العنيفة، لمقاومة الاحتلال، لا يفعلون شيئاً جدياً يذكر من أجل البرهنة على صحة خيارهم، وإقناع المواطنين الفلسطينيين، عملياً لا لفظياً فحسب، بصوابية اختياراتهم ... وهم إذ يكتفون بنقد وإدانة العمل المسلح، ولا يتقدمون الصفوف في ميادين الكفاح السلمي، يحكمون سلفاً على أنفسهم بالفشل في كسب رهانات الشارع الفلسطيني وتأييده.

في مناخات كهذه، لا يتعين انتظار الكثير من المنجزات و”التراكمات” ... فلا المقاومة الشعبية السلميةاختبرت على نحو جدي وشامل للحكم على ثمارها ونتائجها، ولا الكفاح المسلح في الضفة الغربية، يمتلك من مقومات الديمومة والتصاعد والاستمرار، ما يكفي لرفع كلفة الاحتلال ... وفي كلتا الحالتين، يبدو أن الشعب الفلسطيني وحده، هو من سيتحمل التكاليف الآخذة في الارتفاع المترتبة على قراره الاستراتيجي بالصمود على أرضه والاستمساك بحقوقه.

omantoday

GMT 13:15 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

مَنْ ينبش كوابيس الفتنة ؟!!

GMT 08:11 2021 الأربعاء ,24 شباط / فبراير

الأردن و«حل الدولة الواحدة»

GMT 07:47 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

ما الأفضل لفتح: قائمة مـوحـدة أم قائمتان؟

GMT 07:42 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

«وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جدل المقاومتين السلمية والمسلحة جدل المقاومتين السلمية والمسلحة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab