عريب الرنتاوي
كان يتعين على رعاة العملية السياسية في سوريا، التفكير بالذهاب إلى "القاهرة 2" لجمع شمل المعارضات السورية المختلفة، وإنفاذ مقررات مؤتمر "القاهرة 1" الذي عطلته قوى إقليمية ودولية لأكثر من عام، قبل التوجه إلى "جنيف 3" في العاشر من الشهر الجاري، فثمة حال إجماع إقليمي ودولي، حول "عدم تمثيلية" الوفد المعارض، والحاجة لتوسيعه بضم المزيد من القوى الوطنية والديمقراطية إلى صفوفه.
ولقد استمعنا في الأيام الأخيرة، لنداءات معارضين سوريين كثر، تطالب بتوسيع مظلة التمثيل في الوفد المفاوض، لكنها جميعها ذهبت أدراج الرياح، حتى أن مساحات إعلامية محدودة قد منحت لهؤلاء المعارضين، مقابل إبقاء "الهواء" مفتوحاً لكل المطلبين والمزمرين للأداء "العبقري" لوفد المعارضة في "جنيف 2"، والذي لم يثر انطباع أحد، سوى أعضاء الوفد على ما يبدو، وبعض رعاتهم من عرب وأتراك وفرنسيين.
على أية، كانت المعارضة بصدد التوافق في القاهرة، وبرعاية عربية / مصرية، لتوحيد صفوفها، لكن تدخلات إقليمية ودولية حالت دون ذلك، ذلك أن بعض عواصم المنطقة، تريد وفداً من النوع القابل للطي والاحتواء، ولا تريد مروحة أوسع من التمثيل، تجعل من الصعب عليها، تمرير "قصاصاتها" إلى المتفاوضين، وباللغة الإنجليزية، كما قال معارضون (عمار القربي على سبيل المثال) وليس وفد النظام وفريقه الإعلامي المرافق فحسب.
ولا زلنا نأمل أن تستيقظ القوى المهتمة بالوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، على الحقيقة القائلة، بأنه لا مجال لحلول واتفاقات وتسويات، من دون أن يكون للمعارضة صوت قوي وموحد في أروقة المؤتمر وعلى الأرض في سوريا ... وهذا ما لا تتوفر عليه القوى (اقرأ الأفراد) الجالسين على الجهة الثانية من مائدة المفاوضات، فكثير من هؤلاء، لا يتعدى تمثيلهم حدود "الحلقات النخبوية" الضيقة، فيما القوى الفاعلة على الأرض، لم تغادر سوريا إلى أي "مطرح" بعد.
ولقد سررنا بالاستماع لتقديرات الصديق حسن عبد العظيم التي قال فيها، أن الأمم المتحدة "قد" توجه دعوة لهيئة التنسيق للمشاركة في "جنيف 3"، وإذا ما ربطنا ذلك بالمعلومات التي كشفت عنها موسكو والقائلة باحتمال تدبير إطار إقليمي موازٍ للمفاوضات بين الجانبيين السوريين، تشترك فيه كل من تركيا وإيران والمملكة السعودية، فإننا نكون قد اقتربنا مما نعتقده أساساً صالحاً لإعادة الاعتبار للخيار التفاوضي السلمي.
بعد انتهاء "جنيف 2" قلنا في هذه الزاوية بالذات (الأول من شباط/ فبراير)، وتحت عنوان "في الطريق إلى جنيف 3"، أن نجاح "جنيف 3" يتطلب توفر ثلاثة شروط لا غنى عن أي منها: توسيع وفد المعارضة، إشراك إيران، والتفاوض على مسارات متوازية لبحث كامل عناصر "جنيف 1"، على أن تؤخذ نتائج المفاوضات المتوازية كـ "رزمة واحدة"، فيتفق مثلاُ على ترتيبات وقف إطلاق النار وإجراءات بناء الثقة ومعالجة الملفات الإنسانية الضاغطة، جنباً إلى جنب مع البحث في شروط وشكل "هيئة الحكم الانتقالي".
اليوم ثمة حديث عن توسيع الوفد بدعوة هيئة التنسيق، وربما أطراف أخرى، وثمة من يقترح شق طريق التفافي لضم إيران إلى مسار جنيف والمفاوضات السورية – السورية، عبر القناة الإقليمية الموازية، فيما موسكو تتحدث عن التفاوض عبر مجموعات عمل متزامنة ومتوازية، تبحث كل مجموعة منها موضوعاَ أساسياً من الموضوعات المدرجة على جدل أعمال المؤتمر.
حتى الآن لا يبدو أن التوافق الدولي قد نضج تماماً حول شروط ومتطلبات نجاح مسار جنيف، والأرجح أن وقتاً ثميناً آخر سيمر، قبل أن تقتنع الأطراف، مختلف الأطراف، بأن لا بديل عن توفير هذه الشروط إن نحن أردنا للمسار التفاوضي السلمي، أن يكون بديلاً للحرب العبثية المجنونة التي تدور في سوريا وعليها منذ ثلاثة أعوام، والمؤسف حقاً أن مثل هذه القناعة باتت متجذرة لدى معظم الأطراف الفاعلة، بيد أن كثير منها ما زال بحاجة لبعض "السلالم" للهبوط عن قمة الشجرة التي صعد إليها خلال السنوات الثلاث الماضية، وإلى أن يتحقق، سيكون عشرات آلاف السوريون قد فقدوا أعزاءهم وأحباءهم.