عريب الرنتاوي
يقف حزب الله على أعتاب مرحلة استراتيجية جديدة، قد تكون غير مسبوقة منذ نشأة الحزب قبل أزيد من ثلاثين عاماً ... تحتمل تغييراً جذرياً في موقع الحزب واستراتيجياته وأولوياته، وصولاً ربما، إلى الاندماج في مؤسسات الدولة اللبنانية واستراتيجياته، بوصفه مكوناً من مكونات لبنانية مختلفة.
تستند هذه "الفرضية" إن جاز لنا أن نسميها كذلك، إلى جملة التطورات الإقليمية والمحلية (اللبنانية) التي تطل برأسها على الإقليم برمته، والتي سيكون لها "رجع صدى" عميق على لبنان وقواعد اللعبة التي حكمته وتحكمت به منذ الغزة الإسرائيلي لهذا البلد واحتلال عاصمته في العام 1982، وهي تقوم على فرض نجاح الخيار السياسي في معالجة الملفين السوري والإيراني.
فأية تسوية سياسية للأزمة السورية ابتداء، لن تكون في صالح حزب الله بما هو حزبٌ "مقاوم" ... وحده انتصار لا غبار عليه للنظام، يمكن أن يؤمن استمرارية للعلاقة بين الجانبين على النحو الذي استقرت عليه في السنوات الأخيرة، وأن يُبقي على سوريا كشريان رئيس لسلاح الحزب وعتاده وخطوط إمداده ... مثل هذا السيناريو يبدو متعذراً إلى درجة الاستحالة، فالتسويات المطروحة، تلحظ جميعها تخلي سوريا عن هذا الدور، والترتيبات المصممة لإدارة مرحلة الانتقال وما بعدها، لن تُبقي على دور "الشريان" هذا، مهما كانت طبيعة هذه التسويات، ومهما تحاذق أو "تشاطر" المفاوض الروسي.
قد يخرج الحزب بضررٍ أقل إذا ما أمكن للنظام في دمشق، أن يخرج من "مولد جنيف 2 بقليل من الحمص"، بيد أنه قد يخرج مثقلاً بالأعباء، إن انتهت المساومات إلى نظام جديد أو "مختلط" بين النظام القائم والمعتدلين من معارضيه كما تتجه الأمور وتشير "بوصلة" الأحداث، وأحسب أنه يتعين على الحزب أن يتحسب ليوم كهذا، ولا أحسبه ببعيد ... إن أية حلول تحفظ النظام أو جزءاً منه، ستكون مثقلة بهذا الشرط على العموم.
ثم، أن أي تقارب ما بين الغرب وإيران، سيحيّد طهران (ميدانياً) عن دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي، وأقول ميدانياً لأن الغرب لن يكون مكترثاً جداً ببيانات التعاطف والتأييد التي قد تتلقاها "المقاومة" من طهران ... الغرب في سياق رؤيته الشاملة للمصالحة والتطبيع مع إيران، سيكون معنياً بتقليص إن لم نقل وقف، كافة أشكال المساعدة العسكرية الإيرانية "للمقاومات" اللبنانية والفلسطينية، بما فيها السلاح والتدريب والمال المخصص لدعم الكتائب والأولية والقوات والوحدات العسكرية، ودائماً خدمة لأمن إسرائيل ... وهذا تطور ثانٍ يتعين على الحزب أن يتحسب له، وأحسب أن سيكون وشيكاً في ضوء الرزنامة الزمنية القصيرة والطموحة التي وضعها أوباما – روحاني للتطبيع بين البلدين وحل المشكلات فيما بينهما.
وأظن، وليس كل الظن إثم، أن قرار طهران بالانفتاح على الغرب والتطبيع معه، لم يكن قرار روحاني وصحبه فقط، ذلك أن المرشد الأعلى حرص في غير مناسبة على محض الرئيس المنتخب، دعمه وتأييده، وآخرها إرسال الموفدين الشخصيين للولي الفقيه لاستقبال روحاني العائد من نيويورك متوجاً بأكاليل النصر ... ولقد بات واضحاً تماماً أن ظاهرة روحاني لم تكن في واقع الحال، سوى تعبير عن الحاجة الوطنية العليا لإيران، ونتاج إجماع القوى المؤثرة في مراكز صنع القرار ورسم السياسة، أو أقله تعبيراً عن رأي "الغالبية الوازنة" فيها ... إننا نقترب من المفارقة الكبرى: حزب الله سيكون في قائمة الخاسرين من تقارب أهم حليف له: إيران، مع الغرب.
وإذا انتقلنا إلى الوضع اللبناني الداخلي، نرى أن "الغطاء الوطني" قد سحب عن الحزب، الذي لم يعد قادراً على تمرير عبارة "الشعب والجيش والمقاومة"، حتى وإن على المستوى اللفظي في أي خطاب رسمي أو بيان وزاري أو وثيقة إجماع لبناني، فيما الحزب "غارق" في الانقسام المذهبي و"الأمن الذاتي" وما ترتبه على حواضنه الاجتماعية والشعبية من تبعات ومسؤوليات.
حزب الله، لا شك يدرك تمام الإدراك كل هذه التطورات، لكنه أعجز من أن يوقف اندفاعتها أو احتواء مفاعيلها وتداعياتها، فمن "مأمنه" جاء التغيير، ومن حواضنه وداعميه تهب رياح التحوّل الاستراتيجي.
ليس بمقدور أحد أن ينهي حزب الله، وأحسب أن أحداً لا يفكر بذلك كرهاً وطواعية ... لكننا قد نشهد قريباً على أوسع عملية إعادة تأهيل للحزب للتحول إلى كيان سياسي، تحت سقف الدولة واستراتيجيتها الدفاعية، تمهيداً لاستيعاب قدراته العسكرية في الجيش ومؤسسات الدولة، وفق آلية سياسية وإجرائية وأمنية، شديدة التعقيد بلا شك، ولكنها ستذهب بالحزب إلى مطارح أخرى بكل تأكيد.
نقلا عن موقع القدس للدراسات السياسية