عريب الرنتاوي
تكشف المعلومات و"التسريبات" التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران ودول "5 + 1"، عن "قناة خليفة" للتفاوض السري بين مسؤولين كبار من واشنطن وطهران، بدأت في مسقط وبواسطة عمانية بالغة الدقة والسرية ولم تنته في جنيف ... وأن وليام بيرنز ومسؤولين كبار من المكتب الأبيض ومكتب نائب الرئيس الأمريكي، قد انخرطوا في هذه المفاوضات، مقابل مساعدين كبار لوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، فإن أنت أردت أن تعرف ما الذي حصل في جنيف وكيف، عليك أن تعرف ما الذي حصل في مسقط ومتى وكيف.
صحف أمريكية ومواقع إخبارية ذات صدقية، تتناقل يومياً تفاصيل "المحطة العُمانية" في الاتصالات السرية التي بدأت قبل اجتماعات الجمعية العامة للأم المتحدة، والتي شهدت (على هامشها)، أول عناق أمريكي – إيراني، وعلى أرفع المستويات، توّج بالمكالمة الأشهر بين رئيسي البلدين، والتي كسرت أكثر من ربع قرن من "الجليد" الذي غلف العلاقات بين الجانبين، وانتهت إلى التوقيع على "الاتفاق التاريخي".
هذه ليست المرة الأولى التي تتوسط فيها السلطنة بين أقوى قوة دولية من جهة، وواحدة من أقوى القوى الإقليمية، إن لم تكن أقواها على الإطلاق من جهة ثانية ... لقد توسطت مسقط في قضية إطلاق "الجواسيس الأمريكيين الثلاثة"، وكانت مسرحاً لنقلهم إلى بلادهم، كما توسطت للإفراج عن "جاسوس إيراني" متهم بنقل التكنولوجيا الأمريكية المحظورة إلى بلاده، وظلت العاصمة العمانية "صندوق بريد" آمن وبعيد عن الأضواء، يتبادل من خلالها الطرفان المختصمان، الرسائل والنوايا.
لكن هذه المرة، تبدو مختلفة عن جميع المرات السابقة ... الوساطة العُمانية عبّدت الطريق لاتفاق تاريخي، سيكون له ما بعده، وهو إن سار على ما يرام في حقل التنفيذ، واستتبع بالتوقيع على اتفاقات دائمة واستراتيجية في غضون العام المقبل، فإن الشرق الأوسط برمته، سيكون قد دخل مرحلة استراتيجية جديدة، فيها إعادة رسم للأدوار والتحالفات وإعادة تقييم وتقويم، للأوزان والأحجام، وثمة "زوايا حادة" عديدة في مواقف الأفرقاء واللاعبين، سيجري تدويرها استتباعاً، وثمة ديناميكيات جديدة ستنطلق أو سيجري إطلاقها، سيكون لها أثرها في إعادة تشكيل منظومات الحكم والقيادة في عدد من دول المنطقة، بمن فيها إيران ذاتها، ومن دون أن تتوقف عندها.
من بين دول الخليج الست، لم تنجرف سلطنة عُمان في السياسات والسياقات العدائية لإيران، ولا لأي من حلفائها في المنطقة، دولاً ومنظمات، بل على العكس من ذلك، حافظت السلطنة على علاقات "طبيعية" مع إيران، وزار السلطان طهران للتهنئة بانتخاب الرئيس حسن روحاني، مثلما فعل من قبل مع أحمدي نجاد، ولم تشهد العلاقات السورية – العُمانية القطع والقطيعة التي عرفتها علاقات بعض دول الخليج الأخرى مع دمشق، رغم أن السلطنة عضو مؤسس في نادي الدول الست، وهذا ما أهّلها للقيام بدور "الوسيط الإيجابي" في واحدٍ من أهم نزاعات القرن وصراعاته.
وقبل ذلك وبعده، فإن السلطنة، حليف تاريخي وموثوق للغرب، للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا، ما جعلها قادرة على القيام بهذا الدور، من دون حساسية أو خشية من "أجندات خبيئة"، وساهم في تمكين الدبلوماسية الهادئة من القيام بأدوار، عجزت عن القيام بها "عواصم كبرى" في الإقليم، كانت أطلقت النار على أقدامها، بانحيازاتها السافرة لهذا الفريق أو ذاك، سواء في الصراع الدائر في إيران وعليها، أو في الحروب المشتعلة في سوريا وعليها.
وفي ظني أن الدبلوماسية العُمانية، مدفوعة بنجاحها في "تسيير" التوافق الأمريكي – الإيراني، يمكن لها أن تلعب دوراً جوهرياً في "احتواء" النزاع الأخطر الدائر في المنطقة، بين محورين رئيسين، واحدٌ بقيادة إيران والثاني بقيادة السعودية ... سيما وأن عُمان، تندرج خارج سياق الصراع المذهبي المحتدم في المنطقة، وتحتفظ بعلاقات طبيعية مع كل من الرياض وطهران ... لكن مشكلة أي دور عُماني في هذا النزاع، إنما تتمثل في وجود رغبة متبادلة لدى الأطراف المتنازعة للوصول إلى حلول سياسية توافقية فيما بينها، ومن على قاعدة "رابح – رابح" كما حصل في "جنيف النووي" ... وهذا ما لم تنضج شروطه بعد في العلاقات الإيرانية – السعودية التي ما زالت تقوم على قاعدة "رابح – خاسر" أو ”Zero sum game” للأسف.