عريب الرنتاوي
ليست جريمة الاغتيال الأولى التي تودي بحياة قائد ميداني كبير من حزب الله، والمؤكد أنها لن تكون الأخيرة ... حسان اللقيس قيل في وصف واستذكار مهامه وأدواره ما يجعله هدفاً متقدماً على اللائحة السوداء للموساد الإسرائيلي، بيد أن للرجل خصوماً آخرين، توالدوا من رحم الأزمة السورية وامتداداتها اللبنانية، ما قد يسهم في "تجهيل الفاعل"، سيما بعد أن توالت البيانات والجهات التي تعلن مسؤوليتها على "واقعة الحدث".
لكن هذه الواقعة تختلف عن سابقاتها من حيث الظروف التي لابست وقوعها ... فهي تأتي في ذروة الاستنفار والاصطفاف المذهبيين، حيث يكفي عود ثقاب واحد، ليشعل حرب المائة عام بين "الإخوة الأعداء" ...وفي ظني أن إسرائيل، إن كانت هي الفاعل الحقيقي للفعلة النكراء، والأرجح أنها الفاعل الحقيقي، إنما أرادت أن تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: أخرجت اللقيس من خندق القتال، وهنا يُقال أن الرجل مسؤول عن "شبكة صواريخ حزب الله" وأخرون نسبوا إليها مسؤولية الإشراف على شبكة اتصالاته، وقال ثالث، أن الرجل مسؤول عن بناء منظومة الدفاعات الجوية للحزب، وغير ذلك مما ينسب إليه من أدوار ومهام جسام.
أما العصفور الثاني الذي استهدفته رصاصات الغدر الست، فيتجلى في تأجيج الفتنة المذهبية، والتذكير بأن الجريمة هي امتداد لحادثة السفارة الإيرانية والسيارات المفخخة في الضاحية وحرب حزب الله في القصير وسوريا، أي باختصار فإن "غزوة الحدث" ليست سوى فصل في مسلسل الأزمة السورية، وفقدان اللقيس ليس سوى نتيجة طبيعية لتورط حزب الله في سوريا، وفي هذا السياق، يبث الإعلام المعادي لحزب الله والنظام السوري، معلومات مفادها أن اللقيس كان "ضابط الارتباط" بين قوات حزب الله المقاتلة في سوريا وقوات النظام، في مسعى للبرهنة أن الرجل ذهب ضحية تورط الحزب في سوريا لا مقاومته لإسرائيل.
البعض من خصوم الحزب، المهجوسين بنظرية المؤامرة، تحدث عن "تصفية" وليس "اغتيال"، في محاولة للقول إن الرجل ذهب ضحية خلافات داخلية في الحزب، وأن "المقاومة" بدأت تأكل أولادها، ودائماً على خلفية قتال الحزب في سوريا إلى جانب نظامها وجيشه، وهو أمر يصعب التثبت منه أو حتى تصديقه.
لكن الأمر الذي لا جدال فيه ولا مراء، هو أن "قبضة الحزب الأمنية" في مناطقه وحول الحلقة الضيقة من قادته، بدأت تضعف على ما يبدو، ولقد سجّلت الأشهر الفائتة سلسلة اختراقات أمنية، أتت الحزب من مأمنه، وضربت مربعه الأمني، وأودت بحياة قيادات أساسية بوزن اللقيس ... مثل هذا الأمر لا بد يقرع ناقوس الخطر في أوساط الحزب السياسية والأمنية والعسكرية.
وثمة من يعزو سبب تراخي القبضة الأمنية للحزب، إلى اختلال واهتزاز حواضنه الوطنية والاجتماعية ... فاللبنانيون منقسمون مناصفة تقريباً حول دور الحزب في سوريا... أما مقاومة الحزب لإسرائيل وسلاحه، فلم يعودا موضع إجماع لبناني، وهما لم يكونا كذلك يوماً، لكن المجاهرة باستعداء الحزب والمقاومة، باتت أكثر جرأة وأقل كلفة مما كانت عليه قبل بضع سنوات.
وثمة من يتحدث عن اختلال واهتزاز في قواعد الحزب الشعبية (الشيعية)، جراء فقدانه بضع مئات من القادة والمقاتلين في سوريا، وميل كثيرين من أهالي الضحايا وعوائلهم وعشائرهم، للانفضاض عن الحزب المهدد بفقدان "طهرانية" المقاومة وبسالتها النادرتين.
على أية حال، لسنا في موقع من يؤشر بأصابع الاتهام لجهة محددة، فهذا خارج نطاق اختصاصنا وإمكانياتنا، لكننا نشتم في اغتيال المسؤول الكبير في حزب الله، رائحة الموساد الإسرائيلي، حتى وإن نفذت العملية من قبل "مجاهدين" أو على يد بعض "الغيارى" على أهل السنة والجماعة ... فالهدف طالما تسبب بصداع مقيم لإسرائيل، وهذه طالما حاولت إزاحته عن سكتها وسبق لها أن استهدفته في إحدى غاراتها الجوية على بيروت (2006)، حيث فقد أحد أنجاله ... والعملية في توقيتها وسياقها، قد تكون وصفة فعّالة لتأجيج الفتنة المذهبية التي لا يستفيد منها أحد مثل إسرائيل أو أكثر منها.