عريب الرنتاوي
للمرة الثانية في غضون عامين لا أكثر، تعرض المملكة العربية السعودية على شريكاتها الخليجيات الخمس، مشروع الانتقال من "التعاون" إلى "الاتحاد" ... المرة الأولى أعقبت ثورات الربيع العربي وانتفاضاته التي لامست ضفاف الخليج (اليمن) وانتقلت إلى داخله (البحرين) ... أما المرة الثانية الآن، ومن على منصة "حوارات المنامة" وفي أعقاب "النووي الإيراني" و"الكيماوي السوري" وعشية "جنيف 2".
في كلتا الحالتين، نبعت الفكرة/المشروع من الحاجة لـ “رص الصفوف" وتوحيد الموقف في مواجهة التحديات التي تواجه أمن المملكة والخليج وتهدد استقرارهما، والتي تهب تارة من شوارع القاهرة وتونس التي حملت الإسلاميين (الإخوان) للسلطة، وأخرى من طهران، التي تبدو مع "هلالها"، مرشحة لدور إقليمي أكبر، بعد أن فتح "اتفاق جنيف النووي" قنوات تعاون المغلقة مع الغرب والمجتمع الدولي.
في المرة الأولى، لم تكتف الرياض بمشروع تطوير "التعاون" إلى "اتحاد"، فقد عرضت مشروعاً آخر لـ "توسيع مجلس التعاون" ليصبح نادٍ للملكيات العربية، وجرى بحثٌ قصير في الأمر مع الأردن والمغرب، سرعان ما أغلق، في ظل تنامي الأصوات المناهضة للمقترح السعودي، في عدد من دول الخليج، بل ومن داخل المملكة العربية السعودية ذاتها، واستعيض عن "العضوية الكاملة" بالخطة الخمسية للمساعدات البالغة قيمتها خمسة مليارات دولار للأردن والمغرب.
التحفظات التي أبدتها دول خليجية (عمان، قطر، والإمارات) والتردد الذي أبداه بعضها الآخر (الكويت)، كانت السبب وراء إخفاق مبادرتي "الاتحاد" و"التوسعة" ... فهل ثمة ما يشي بأن الدول التي رفضت الاتحاد من قبل ستعود لقبوله الآن؟ ... ولماذا تعاود المملكة طرح المشروع في هذا الوقت بالذات، وأية مواقف يمكن أن تصدر عن دول الخليج الأخرى بهذا الصدد؟
عُمان، من قبل ومن بعد، كانت السبّاقة لرفض فكرة الانتقال من "التعاون" إلى "الاتحاد"، أمس ردّ وزير الخارجية العُماني المخضرم يوسف بن علوي عبد الله بحزم، على وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية نزار المدني، بالقول: "نحن ضد الاتحاد، لن نمنعه ولن نكون من ضمنه، ببساطة سننسحب من مجلس التعاون الخليجي"، وبدا واضحاً أن ما يعتبره المدني "ضرورة ملحة وليس ترفاً"، رأى فيه زميله العُماني، خطوة لتصعيد الموقف الإقليمي وزيادة حدة التوتر بين ضفتي الخليج ... عُمان أتبعت رفضها لقيام "اتحاد دول الخليج" برفضها زيادة قوة "درع الجزيرة"، فيما يشبه الافتراق في النظرة والأولويات والحسابات بين الدولتين الجارتين.
الموقف العُماني، ليس ضرباً من العزف المنفرد، قطر أيضاً، ليست بوارد وضع سياستها الخارجية والأمنية والدفاعية تحت سقف المواقف والحسابات السعودية ... والعلاقات القطرية – السعودية، لم تكن على ما يرام منذ عقدين تقريباً ... ولقد احتاج رئيس القمة الخليجية المقبلة الشيخ صباح الأحمد، لأن يطير إلى الرياض للاجتماع بنظيريه السعودي والقطري، في مسعى منه لرأب الصدع وتقليص فجوة الخلافات و"المنافسات" بين الدولتين الجارتين، ولا أحسب أن قطر ستكون بوارد الانضباط لمندرجات الاتحاد، الذي من دون شك، سيكون للسعودية فيه، الدور الحاسم.
الإمارات التي تبدو قريبة من السعودية حول العديد من ملفات السياسة الخارجية، بالذات الموقف المناهض للإخوان المسلمين والداعم للنظام المصري الجديد، فضلا عن الموقف في سوريا ... الإمارات لديها الكثير من التحفظات التي لن تجعلها في موقع المتحمس للمبادرة السعودية، ولقد رأينا كيف انفجر الخلاف بين أبو ظبي والرياض حول قضية تفصيلية صغيرة، من نوع استضافة البنك المركزي الخليجي، ولا أدري كيف سيكون عليه الحال، عندما يتصل الأمر بقضية استراتيجية.
لا أعرف كيف سترد الكويت على المبادرة السعودية، وهي الدولة المضيفة لقمة قادة الدول الست، لكن الكويتيين طالما أظهروا اعتزازاً بكويتيتهم، ولا أحسب أنهم مستعدون لوضع حساباتهم ومصالحهم وحساسياتهم جانباً، من أجل تسهيل الانتقال من "التعاون" إلى "الاتحاد".
ربما وحدها البحرين، تبدو شديدة الحماس للاتحاد ومغادرة مربع "التعاون" و"المجلس" ... فالنظام مدين لدرع الجزيرة وقوامها السعودي الرئيس، وهي تجد في الرياض شقيقاً أكبر لمواجهة الأخطار الداهمة، والأرجح أنها ستكون اليوم كما كانت بالأمس، مرحبة بخطوة من هذا النظام، تحفظ النظام من معارضة لم تهدأ منذ أزيد من عامين.
الأرجح أن الفكرة لن ترى النور، والسبب أن طرح المسألة في المرتين الأولى والثاني، إنما جاء في سياق "التعبئة" و"التجييش" ضد خطر خارجي داهم، تختلف الدول الست حول توصيفه، وما إذا كان خطراً أم لا، ماحقاً أو من النوع القابل للسيطرة والاحتواء، وستكون الكويت أول ساحة لفرز المواقف ورسم خرائط التحالفات المقبلة ... وفي ظني أن دول الخليج الست، بحاجة لإدامة "تعاونها" وتوسيعه، قبل الانتقال إلى فكرة "الاتحاد" الطموحة بأكثر مما ينبغي، والمثقلة بالهواجس والمخاوف بما لا يدع مجالاً للمجازفة بقبولها من قبل أطراف عديدة.