بقلم : عريب الرنتاوي
عشرات المقالات والتقارير الفلسطينية (وغير الفلسطينية) اتخذت من سؤال «ما العمل؟» عنواناً لها، إذ تصدرت بالبحث والتحليل عن مخارج للفلسطينيين وقضيتهم الوطنية من استعصائها الراهن، والممتد منذ سنوات طوال على أية حال...وذهب أصحابها مذاهب شتى في اقتراح الحلول واجتراح التوصيات، ورسم «خرائط طرق» للإفلات من قبضة الفشل والهزيمة...لكن قلة منها، توقفت ملياً، أو لبرهة، للإجابة على سؤال: من سيعمل؟ ...بمعنى، من سيتولى قيادة هذا الشعب على درب الجلجلة والخلاص؟ ...هل هي الرموز والأسماء والهياكل ذاتها، وبعضها رافق المسيرة الفلسطينية منذ أزيد من نصف قرن، وما زال «على رأس عمله»، لم يُجرِ «مراجعةً» يوماً، ولم يعترف بخطأ قارفه، ولم يُبدِ استعداداً من أي نوع، لتحمل أوزار الفشل والهزيمة والأخطاء والخطايا المتراكمة.
لا شيء يطرأ على المبنى السياسي الفلسطيني، فالذين قادوا مرحلة الكفاح المسلح (من الخارج إلى الداخل)، هم الذين عَبَروا بشعبهم «مضيق أوسلو»، وفتحوا صفحة جديدة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، كانت نتائجها وبالاً على الشعب والحركة والقضية سواء بسواء...والذين أوصلوا شعبهم إلى مهاوي العزلة والانكفاء والخيبة بعد 27 سنة عجفاء على اتفاق أوسلو الذي مرت ذكراه أمس، هم أنفسهم الذي يتصدرون اليوم، مرحلة استنقاذه من «اليَم»...خبراء التنسيق الأمني هم أنفسهم قادة المقاومة الشعبية، ومروجو الوهم هم أنفسهم المحرضون على الثورة والانتفاضة...حملة الـ»VIP» الذين اعتادوا السفر من «مطار بن غوريون»، والمرور على بساط أحمر عبر جسر المعاناة والآلام، هم أنفسهم الذين يتصدرون الصفوف للمقاطعة والممانعة والمقاومة، ويقترحون العودة إلى مختلف وسائل الكفاح.
«خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام»، حديث شريف «متفق عليه»، جعل منه «القوم» دستوراً لهم، ولكن بعد أن أسقطوا الفقرة التالية منه: «إذا فقهوا»...ليس المهم أن تكون فقيهاً أم لا، المهم أنك من «خيار» الفلسطينيين في مختلف المراحل المنقضية، وليس ثمة من مبرر واحدٍ لئلا تكون من «خيارهم» في المراحل المقبلة، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، وتتدخل العناية الإلهية لتجديد القيادة وتشبيبها.
أظنني، مثل كثيرين غيري، استقبلنا نبأ الإعلان عن «القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية» وبيانها الأول، بكثير من الشك وانعدام اليقين...ليس لأن هذا الخيار غير فعال وغير مناسب للفلسطينيين في هذه المرحلة، بل لأن الذين تلوا على مسامعنا «البيان رقم 1»، هم أنفسهم الذين سبق لهم وأن أخبرونا بمئات المواقف والقرارات على مدى عشرات السنين، فيما حالنا ظل ينتقل من سيئ إلى أسوأ، ومن انهيار إلى انهيار.
في المجتمعات الحيّة، ولا أقول الديمقراطية فقط، يستقيل المسؤول عند أول اعتلال في صحته (شينزو آبي)، ويتولى رئاسة دولة نووية عظمى، من نادي الخمس الكبار، شاب لم يبلغ الأربعين عاماً من عمره (ماكرون)،وتستقيل الحكومة إن ارتفع منسوب النهر أو تسبب حادث مروري بوفاة عدد من المواطنين، أو علقت قطة في حفرة «مجاري» مكشوفة...أما في فلسطين، وبالرغم من مسلسل الخيبات والهزائم غير المنتهي، ما زال الأمناء العامون على رؤوس فصائلهم، وأعضاء اللجان والمكاتب السياسية والمركزية والتنفيذية، على مقاعدهم.