عريب الرنتاوي
بدا جون كيري واثقاً من مشاركة الائتلاف المعارض في مؤتمر "جنيف 2" ... ووفقاً لمصادر المعارضة فإن واشنطن ولندن أبلغتا الائتلاف بأنهما ستوقفان دعمهما له إن هو استنكف عن الحضور، فيما مصادر معارضة أخرى، أكدت بأن السفير روبرت فورد أبلغ قادة الائتلاف بأنه يتعين عليهم الحضور حتى وإن اتخذ القرار بأغلبية نسبية بسيطة، وترتب على ذلك انسحاب من يرغب منهم بالانسحاب من عضوية الائتلاف.
"أصدقاء سوريا" سعوا في توفير سُلمٍ للجربا وزملائه للهبوط من على قمة شجرة الرفض والتمنع عن المشاركة، قالوا بأن ليس للأسد مكان في مستقبل سوريا، ورفضوا توجيه الدعوة لإيران للمشاركة في المؤتمر، بل وذهبوا أبعد من ذلك، وإرضاء لبعض دول المحور "السُنّي" العربي، إلى التنديد بمشاركة حزب الله وبعض المليشيات الشيعية في الحرب إلى جانب النظام في دمشق ... وأحسب أنه سيكون بمقدور "أنصار المشاركة في جنيف" من جماعة الائتلاف، الادعاء بأنهم "انتزعوا" ما كانوا يعدونه شروطاً مسبقة للالتحاق بركب جنيف 2.
لكن واقع الحال يشي بغير ذلك تماماً ... فقطار التوافق الروسي – الأمريكي سائر باندفاعته السابقة من دون تعطيل ... أولى محطات التوافق تفتحت في العراق، حيث التقت موسكو وواشنطن على موقف مشترك من حكومة المالكي وقضية الأنبار والمحافظات السنية والحرب على "داعش" ... وثمة ما يشير إلى أن هذا القطار سيصل محطته اللبنانية، بتشكيل حكومة "جامعة" جديدة خلفاً لحكومة تصريف الأعمال، وبمشاركة حزب الله، وبغطاء سعودي – إيراني غير مباشر، وثمة مناخات انفراج في الاستعصاء الحكومي اللبناني، تدعو لقليل من التفاؤل.
في سوريا، الصورة تبدو أكثر تعقيداً، فثمة اجماع دولي / إقليمي، على بقاء النظام ومؤسسات الدولة من مدنية وعسكرية وأمنية، وثمة إجماع آخر على ان تلحظ أية ترتيبات انتقالية حقوق ومصالح "الأقليات" غير السنية، وغير العربية في سوريا، وأية ترتيبات مقبلة ستبقي مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية (انتقالياً) على الأقل، في أيدي ممثلي هذه الأقليات، بالذات الأقلية العلوية.
لكن الخلاف ما زال قائم حول الدور الشخصي للرئيس السوري بشار الأسد وعدد محدود من أفراد عائلته ومساعديه، هنا تقف موسكو وإيران خلف الأسد، وتريد ترك الأمر لخيار الشعب السوري، فيما دول مثل فرنسا والسعودية وقطر وتركيا، تدعم رحيل الأسد وعائلته ومساعديه، وتقف دولٌ أخرى، من بينها واشنطن، في مسافة وسط بين المحورين، وتفضل التعامل بـ "براغماتية" مع هذه المسألة، ولكن من منطلق أولوية الحرب على الإرهاب، ما يعني أنها لن تجعل من مستقبل الأسد، قضية القضايا في محادثات جنيف.
المتتبع لتطور وتبدل الموقف الأمريكي من الأزمة السورية، يلحظ أن واشنطن التي أقامت الدنيا ولم تقعدها ضد الأسد ونظامه، عادت لتستدرج حلفاءها في المعارضة والإقليم، نحو مواقف أخرى وضفاف أخرى، غير تلك التي "بَشّرت" بها من قبل ... هي تتحدث عن أولوية محاربة الإرهاب اليوم، وهي تريد أساساً أن يلتف الجميع حول مائدة جنيف التفاوضية، وبعد ذلك لكل حادث حديث، وهي اليوم تتحدث بلغة مرنة عن مشاركة إيران و"تتمنى" على طهران أن تلعب دوراً إيجابياً ... وهي تصرح بوجوب أن يُترك للسوريين أمر تقرير مستقبلهم بأنفسهم، وهو الشعار / المدخل لإعادة تأهيل النظام و"ربما" رئيسه لإدارة مرحلة الانتقال السياسي في سوريا.
خلف الدخان الكثيف الذي يطلقه قادة الائتلاف وداعموهم الإقليميون، تدور مفاوضات وتعقد صفقات، لا صلة لها بما يقوله الجربا أو "طوفان" المتحدثين باسم الائتلاف ... فيما عواصم المنطقة والعالم، ترقب باهتمام تحولات الموقف السعودي حيال بعض أزمات الإقليم، وما يشاع عن قنوات اتصال "خلفية" مع طهران، مباشرة أو عبر وسطاء، وهو الأمر الذي إن صح، ستكون له نتائجه الحاسمة على معظم أزمات الإقليم المتفجرة.